فالتعبير القرآني قد سلك كل ألوان الأساليب العربية في إبلاغ مقاصده، فهناك الأسلوب القائم على السجع، والفواصل، هناك الأسلوب المرسل، وفيه الآية القصيرة التي لا تزيد على الكلمة، وفيه الطويلة التي تستوعب الصفحة...وفيه التمثيل والتشبيه والإيجاز والإطناب، والاستفهام والتقرير...إلى غير ذلك من الأساليب التي يستولي بها القرآن العظيم على الألباب، ويثير العواطف ويحرك الضمائر ويطلق الخيال، ويشغل كل ما تنطوي عليه النفس من الطاقات...
وكذلك القول في العبادات...ولنمثل كذلك بالصلوات المكتوبة فهي ما بين ركعتين وثلاث وأربع وبين جهري وسري...وقد اختلفت المسافة بين أوقاتها...ولعل بعض الحكم العجيبة في ذلك هو إبعاد هيئة العبادة عن تكرار الصورة الواحدة، الذي قد يؤدي بها إلى أن تصير عادة آلية فتفقد بذلك روح الجدة...والله أعلم.
٤- ونظرة مماثلة إلى أساليب الرسول في التعليم...وهو المعلم الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، الذي أوتي الحكمة وجوامع الكلم والخلق العظيم.
لم يلتزم صلى الله عليه وسلم في تعليمه أسلوبا واحدا ولا هيئة واحدة...بل كان يعطي لكل مقام ما يناسبه من المقال والهيئة.
لقد أمر ونهى...وخطب...وقصّ...ومثّل...واستعمل وسائل الإيضاح، سأل مرة أصحابه ـ تلاميذه ـ: أتدرون من المفلس؟ ...
وكان السؤال محركا لتفكيرهم، فأجابوا بما يعلمون من صفة الإفلاس، وهناك فاجأهم بما يقصد إليه من الإفلاس المعنوي، الذي يحشر صاحبه يوم القيامة وليس معه ما يفي بما عليه...ومن هذا وأمثاله من الأسئلة النبوية نتعلم كيف نستثير انتباه تلاميذنا وننشط أفكارهم للبحث...وفي حديث جبريل عليه السلام أسلوب تعليمي عجيب، ما أجدر المدرس المسلم أن يستنبط منه الحكم البالغة...