وإني لأعجب من قول القاضي عياض:"يكره حلقها وقصها وتحريقها"[٣٩] : إذ سوى بين إزالتها وبين تقصيرها، وقد ثبت التقصير - على الأقل- من بعض الصحابة؛ لكن لم ينقل عن أحد منهم أنه كان يحلق لحيته ولو مرة واحدة.
كما أعجب لبعض أهل العلم الذين يحلقون لحاهم ويدّعون أن سنة اللحية كانت خاصة بسكان الجزيرة العربية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنه من المسلم فقها وأصولا أن فعله صلى الله عليه وسلم الأصل فيه التشريع إلا لقرينة دالة على الخصوصية، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى أن طلب اللحية جاء بألفاظ الأمر الصريحة المقتضية للوجوب، والتي لا يمكن تأويلها أو ليّها إلى مثل هذه الدعوى، كما أننا لم نعثر على أي قرينة يمكن أن تكون صارفة لهذه الأوامر عن ظاهرها.
وأما ذكر إعفاء اللحية مع سنن الفطرة؛ فقد قلنا: إن المراد من لفظ السنة في الحديث، هو الطريقة وليس هو المعنى الذي قصده الفقهاء من السنة: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه..الخ.
وقد صرح علماء المالكية بحرمة الحلق قولا واحدا حيث قال العدوي:"إن حلق اللحية بدعة محرمة"[٤٠] إلا أنهم قد اختلفوا في حكم تقصيرها والمختار عندهم أنه يستحب تقصيرها إن طالت جدا، فإن لم تطل أو طالت قليلا وحدثت مبالغة في القص بحيث صار الشخص مثلة - عند أهل الاعتبار- فإن القص يحرم في هذه الحالة وإن لم يحصل تجاوز في القص ولم تحصل به مثلة فإنه خلاف الأولى [٤١] .
الحكم فيما إذا نبتت للمرأة لحية:
اختلف الفقهاء فيما إذا نبتت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة فحكي عن الإمام الطبري: أنه لا يجوز لها حلق شيء من ذلك ولا تغيير شيء من خلقتها بزيادة ولا نقص [٤٢] .
وحكى النووي عن مذهب الشافعية أنه يستحب لها حلق ذلك [٤٣] .
وقال العدوي المالكي: ويجب على المرأة إزالة ما في إزالته جمال ولو شعر اللحية إن نبتت لها لحية [٤٤] .