التوحش الإنساني - لكن أخاه أخبره بأن هذا تنظيم الله ولا بد أن يتجه إليه ليسمح أو يمنع. وأن على كل منهما أن يقرب إلى الله قربانا، وأن قبول القربان من أحدهما دليل على قضاء مأربه، فكان أن تقبل الله من هابيل ولم يتقبل من أخيه {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ} ، وقالوا عن أن الذي جعله لم يتقبل منه، هو وقوع أسباب عدة، منها أنه استجاب للشهوة ولم يستجب لإيثار الأخوة، وأنه بسؤال أخيه ما هو من نصيبه المقسوم له من الله، اعتراض على هذه القسمة وعدم رضا بعدل الله وحكمه، وزادوا أنه لما احتكما إلى الله بالقربان، قرب هو أردأ ما عنده، بيننما هابيل قرب خير ما عنده، وهذا أيضا مبدأ صحيح أقره القرآن بقوله تعالى:{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} ، لكن الجندي الأول لإبليس أبى إلا أن ينفد أمر الشر كاملا، فازداد حقده على أخيه رافضا حكم الله في القضية، حتى وصل به الأمر إلى قرار بقتله، ليسجل على نفسه أنه أول قاتل على الأرض بلا أسباب ولا حيثيات، سوى تطوعه ليكون أسبق ممثل لإبليس في الاعتداء على (حقوق الإنسان) ، ولو كان هذا الإنسان أخاه، وهذا الأمر كان وما زال يقع، إلى أن يعص الناس الشيطان ويطيعوا الرحمن فيما أحق لهم لخيرهم وأمنهم، {قال لأقتلنك} وتأكيد الفعل هنا عزم على إتيانه بلا تردد ولا رجوع، وليجعل بداية ما تستقبل الأرض هو الدم الأحمر القاني يختلط بثراها، يتفجر من جسم المظلوم هابيل، بيد قابيل ابن أمه وأبيه، من هنا كان الشر في هذه الدنيا هو السائد، واعتداء الإنسان على الحقوق هو القائد، واستحق أن يكون ظلوما جهولا، لما لم يكن مع عهد الله من الأوفياء، ولا على أمانته من الأمناء، لكن الطرف الثاني الممثل للخير وهو هابيل، كان عند شموخ الخير وثبوته، فلم يستثره شر أخيه إلى هجر الخير ليخط إلى شر مثله، فذكره بشيء فتح به الباب إلى الله عسى أن يكون الأخ الأواب،