فقال له ردا على عزمه القتل {إنما يتقبل الله من المتقين} ، أي تلك قاعدة القبول فلما اتقيته تقبل مني، فارجع إليه بالتقوى يرجع إليك بالقبول، ولكن أنى له ذلك وهو كما قلت أول مجند لطاعة إبليس، فقال له هابيل {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} ، وبذلك استمر هابيل في تمسكه بحبل الخير من جهة، ومن جهة أخرى بالقول الطيب ليرد أخاه عن غيه، فالأخ القتيل ذكر أخاه بربه وخوفه منه، لما ذكر له أولا أنه لن يرد سيّء العمل بمثله {ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} السبب، {إني أخاف الله رب العالمين} ، أي أنا خفته مع أني أقوى منك - كما ذكر المفسرون - فعليك أن تخاف مثلي منه، وألا تفعل ما يغضبه، لكن ذلك لم يحرك في قابيل نحو أخيه شعرة من حنان أو ترفق، ولم يؤثر شيئا في نفسه التي توحشت، ومع هذا لم يقطع هابيل الأمل في ردع أخيه عما ينتويه، واستمر يخوفه قائلا:{إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار، وذلك جزاء الظالمين} تتحمل إثمي عندما تقتلني، وإثمك لما عصيت الله بعدم رضاك عن قسمته وحكمته، إذاً فالتلوي في النار جزاؤك، لما ظلمت وقتلت بغير حق، وذلك أبدا الجزاء الذي لا بد أن يحيق بكل ظالم غشوم.
بعد ذلك كله لم يفعل إلا التقدم نحو ضحيته البريئة. عابدا لشيطانه بأسرع ما تكون العبادة. ولنفسه بأخسّ ما تطاع النفس، {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} ، وقتل من؟ تقول الآية في عجب {قتل أخيه} وبهذا قضي عليه بالخسران الذي لا ينتهي بأوان {فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، بها أول الخاسرين بعد شيطانه اللعين.