للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول أبو يوسف مخاطبا لهارون الرشيد الذي طلب منه وضع كتاب يسير على هديه في السياسة المالية للدولة يقول: "ورأيت يا أمير المؤمنين أن تتخذ قوما من أهل الصلاح والدين، والأمانة، فتوليهم الخراج، ومن وليت منهم فليكن عالما مشاورا لأهل الرأي، عفيفا لا يطلع الناس منه على عورة، ولا يخاف في الله لومة لائم، ما حفظ من حق وأدى من أمانة احتسب به الجنة، وما عمل به من غير ذلك خاف عقوبة الله فيما بعد الموت..."إلى أن قال: "وتقدم إلى من وليت ألا يكون عسوفا لأهل عمله، ولا محتقرا لهم، ولا مستخفا بهم، ولكن ليلبس لهم جلبابا من اللين يشوبه بطرف من الشدة والاستقصاء من غير أن يظلموا أو يحملوا ما لا يجب عليهم" [١٨] .

هذا وإن العدل في الضرائب الإسلامية، وإحاطتها بالشرائط الاقتصادية كان من أقوى الأسباب التي ساعدت المسلمين على فتح البلدان، وتثبيت أقدامهم والتفاف أهل البلاد المفتوحة حولهم، وحبهم لهم، لا سيما البلاد التي كانت تقع تحت سيطرة الرومان والفرس، فقد كان أهل تلك البلاد يئنون من وطأة الضرائب الفادحة، والمعاملة القاسية التي كانوا يعيشون فيها.

وأصدق شاهد على ذلك ما روى البلاذري: أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة "اليرموك"ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج، وقالوا: "قد شغلنا عن نصركم والدفع عنكم، فأنتم على أمركم"، فقال أهل حمص: لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم ونهض اليهود فقالوا: "والتوراة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب ونجهد"، فأغلقوا الأبواب وحرسوها، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من اليهود والنصارى [١٩] .

فالرومان والفرس كانوا قد أرهقوهم بالضرائب، وحملوهم مالا يطيقون، ولم يرحموا أحدا، ولم ينقذ الناس من ظلمهم إلا الفتح الإسلامي الذي كان عدلا ورحمة لجميع الناس.