أدرك خوارزم شاه خطأه وأحس أنه عرَّض دولته لخطر الغزو المغولي وأتاح لجينكيزخان الطامع في التوسع فرصة أخرى لاجتياح مملكته واستولى عليه الفزع فأمر سكان المدن القريبة من الحدود بالجلاء عنها خوفا من بطش المغول وكانت هذه المدن من أخصب بلاد الدولة وأكثرها حدائق وبساتين فهجرها سكانها وتركوها قفرا موحشة ولم يدر أنه بعمله هذا قد أخلى الطريق أمام الغزاة ومهد لهم سبيل الوصول إلى داخل مملكته.
ولما بلغ جينكيزخان خبر هجوم خوارزم شاه على أطراف أمبراطوريته عاد على رأس جيشه مسرعا إلى حدود الدولة الخوارزمية وأعد العدة لغزوها في أواخر سنة ٦١٦هـ وعبر نهر سيحون واجتاز الحدود بسهولة وواصل سيره نحو الغرب حتى وصل إلى أبواب مدينة بخارى وكانت حاميتها عشرين ألفا فلم تقو على الصمود في وجهه وولت مدبرة فدخلت جموع المغول المدينة وأسلمتها للنهب وفرّ من أمكنه الفرار من أهلها ومن لم يتمكن من الفرار ضرب عنقه.
وقد اتخذ جينكيزخان من مساجد بخارى التي كانت عامرة بالتقى والعلم والأدب مرابض لخيله ووصف نفسه بأنه لعنة الله سلطها على خلقه عقوبة لهم على خطاياهم [٤] .
واصلت جيوش المغول سيرها نحو سمرقند في المحرم ٦١٧هـ وأنزلت بها ما نزل ببخارى وكان خوارزم شاه معسكرا غربي نهر جيحون يستعد للدفاع عن بلاده وصد تلك العاصفة المدمرة التي هبت عليها من الشرق فأرسل جينكيزخان عشرين ألفا من جيشه في طلبه فلما اقتربت تلك الفرقة من معسكر خوارزم شاه فرّ نحو الغرب يقصد نيسابور فتبعه إليها فغادرها إلى مازندران فطارت وراءه وما زال ينتقل من مكان إلى مكان وهي في أثره حتى لجأ إلى قلعة له على جزيرة بحر الخزر فتحصن بها هو وأتباعه وتوفي بعد ذلك بفترة قصيرة [٥] .
ولما رأى المغول حصانة القلعة يئسوا من اقتحامها وعادوا إلى مدينة مازندران فاستولوا عليها ثم سقطت في أيديهم مدن الري وهمذان ومرو وغيرها من المدن.