إن الشجاعة القلبية لا تقل أهمية عن الشجاعة العقلية بالنسبة لدعاة الحق والخير من رجال الدعوات بين الناس، وإذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مضرب الأمثال في رجحان العقل وكماله وقد وقفنا على مظاهر ذلك في الكلمة السابقة فإن الصديق كان في باب الشجاعة القلبية مضرب المثل أيضا، ولنكتف في التدليل على ذلك وإثباته ببعض الوقائع فقط إذ لا يخامرنا شك في شجاعة أبي بكر الصديق ولنترك للبزار يذكر لنا في مسنده الحديث الطريف التالي: قال علي رضي الله عنه: "أخبروني من أشجع الناس؟ "قالوا: "أنت"، فقال:"أما أنا ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه ولكن أخبروني من أشجع الناس؟ ". قالوا:"لا نعلم، فمن؟ "قال: "أبو بكر الصديق؛ إنه لما كان يوم بدر فجعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا، فقلنا: من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين، فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرا سيفه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين، فهو أشجعنا".
إن شهادة بطل كعلي طبقت شهرة شجاعته الآفاق لأكبر دليل على شجاعة أبي بكر الصديق وها هو ذا علي مرة أخرى يذكر من شجاعة أبي بكر ما يبهر العقل ويقرر تفوق أبي بكر الصديق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشجاعتين العقلية والقلبية قال علي رضي الله عنه:"ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذته قريش، هذا يجبأه (يبغته) وهذا يتلتله (يحركه ويزلزله) وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا قال علي: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر، فكان يضرب هذا ويجبأ هذا ويتلتل هذا وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله".