وأخيرا فقد أخرج البخاري عن عروة بن الزبير قال:"سألت عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟؟ "إن تقدم أبي بكر لدفع عقبة بن أبي معيط وتخليص رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاه ودفع ذلك الشقي عليه لعائن الله على مرأى ومسمع من رجالات قريش المتواطئة على الجريمة بما صنع أخوهم لموقف بطولي ينم عن شجاعة نادرة لمن قام به وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
جوده وكرمه:
إن الجود والكرم من صفات الكمال في الإنسان، وما زالت البشرية منذ أن كانت تقدس هذين الوصفين في الإنسان وتعتبرهما من مظاهر الكمال النفسي في الإنسان.
بيد أن أصحاب الدعوات والذين يوقفون حياتهم على نصر دعوتهم، لا مناص من أن يتكلفوا الجود والكرم ويوطنوا له النفس على ذلك حتى يصبح الجود والكرم من أخص صفاتهم إذ الجود والسخاء والكرم وهي صفات ثلاث وإن اختلفت لفظا فإنها متحدة معنى وهي بذل المعروف وتقديم الإحسان والمبالغة في ذلك إلى حد الإيثار على الأهل والولد والنفس، وبذلك يملك الداعي النفوس، ويجذبها إلى محيط دعوته، كما قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسان
إن أبا بكر الصديق وهو أحد نماذج الدعاة الصالحين من غير النبيين قد كان مع عفته وكمال عقله وعظم شجاعته جوادا كريما يبذل في سبيل الله، وينفق على نصرة دينه ورسوله ما لا يبذله غيره، وذلك ثابت في السنن.