وحسبنا من ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم المتقدم:"إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا غير ربي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام". وأصرح من هذا في بذل أبي بكر في سبيل نصرة رسول الله ودين الله تعالى رواية أحمد عن أبي هريرة إذ فيها قوله صلى الله عليه وسلم:"ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر رضي الله عنه" ولما سمع هذا الثناء العطر من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينحدر كأنه حب الغمام على قلب ظمآن، بكى رضي الله عنه وقال:"هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله! ".
وأقوى من هذا أيضا رواية الترمذي عن أبي هريرة وفيها قوله صلى الله عليه وسلم:"ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه إلا أبا بكر فإن له يدا يكافئه الله بها يوم القيامة. وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر! ".
وتقول الآثار وهي متوافرة بين رجال السلف ونسائهم إن أبا بكر الصديق أسلم وعنده أربعون ألف دينار من ذهب فأنفقها كلها في سبيل الله نصرة لرسول الله وإنقاذا للمعذبين من المماليك المؤمنين كبلال وغيره، وفيه جرى قول الله تعالى:{وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى, الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى, وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى, إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى, وَلَسَوْفَ يَرْضَى}
ولا ننسى إن نسينا ما قال أبو قحافة لما هاجر أبو بكر وما صنعت معه حفيدته أسماء بنت الصديق، إذ لو ترك أبو بكر لأهله مالا لما وضعت أسماء الحجارة في كوة المنزل ووضعت عليها منديلا وقالت للشيخ تطمئنه، وتبدد من مخاوفه:"ضع يدك يا جدي على هذا فإنه قد ترك لنا أبو بكر فلم نرزأ في ماله إن رزئنا في نفسه".