لقد عبر الأدب عن العقيدة منذ وجد الإنسان، بل لقد نشأ في ظلها، ومازالت هذه العلاقة الوثيقة مرتبطة أشد الارتباط حيث قام الأدب بنشر الدين فسجل دعوته وبث شعائره بين البشر وشرح شرائعه، وأمام أعيننا الدين الإسلامي الحنيف فالقرآن الكريم في الذروة من الإعجاز والتسامي البياني والنبي صلى الله عليه وسلم) في قمة الفصاحة والبلاغة، وقد اعتمد الإسلام على الأدب واعتبره عنصرا فعالا يجب أن يقوم بدوره كما ينبغي، فقام الخطباء ونهض الشعراء يشرحون هذا الدين ويناضلون عنه يجادلون المرجفين ويعالجون الرذائل ويهدون الناس إلى الطريق الأقوم، بل إن هدف كل من الدين والأدب تصفية النفس وتهذيب الجنس البشري بطريق أداء الشعائر المقدسة من إثارة العواطف النبيلة والأخيلة الجميلة، وفي أدبنا العربي نماذج عديدة لتوضيح ذلك نقتصر منها على نموذجيين أولهما لكعب بن زهير حيث يقول في دعوته إلى الله:
رَحلتُ إلى قومي لأدعوا جُلّهم
إلى أمر حزمٍ أحْكمتْهُ الجوامعُ
سأدعوهُمُ جَهْدى إلى البرِّ والتقى
وأمرِ العلا ماشا يعتْني الأصابعُ
فكونوا جميعا ما استطعتم فإنه
سَيَلبَسكم ثوب من الله واسعُ
وثانيهما لشاعر معاصر هو أستاذنا وشيخنا المجذوب حيث يقول:
أتزعمُ يا مسكينُ أنك مسلمٌ
وليس على الإسلام فيك دليل!
هجرتَ كتَاب الله توصدُ دونه
فؤادَك حتى ما إليه سبيل
وعفتَ بيوت الله حتى كأنما
بهنَّ لأهل الغيِّ مثلِك غول
وجافيتَ دنيا المؤمنين مُنابذاً
فما لك بين المؤمنين خليل
ولو كنت ممن يعرف الحقَّ قلبُه
لأدركتَ أن العقل منك عليل
توهمتَ أن الدين محض هُوِيَّةٍ
وكلُّ كلامٍ بعدها ففضول
وفاتكَ أن الدين عقد مُوَثَّقٌ
عليه إلاهُ العالمين وكيل
ضمنتَ به ألاّ تزايل نهجَهُ