اقرئي هذا الحوار المعجب الرائع مثنى وثلاث ورباع، وتدبري كيف يعمى الظالمون عن الحق، وكيف تفقد النعم ولا سيما نعمة الملك صواب كثير من المنعم عليه، فبدل الشكر والطاعة يكون الجحود والطغيان:
{قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} وهذا القول يفيد الحصر، ومنشأ الحصر تعريف الطرفين، ومدلول هذا الحصر أن الإحياء والإماتة مقصوران على رب إبراهيم رب العالمين، لا يتجاوزانه تعالى إلى شيء آخر مطلقا؛
قال الذي حاج إبراهيم في ربه:{قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} يعني بذلك أنا أشارك ربك - يا إبراهيم - في الإحياء والإماتة - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - وليس ذلك مقصورا عليه ومختصا به، ثم أحضر رجلين قتل أحدهما وأرسل الآخر، ليدل بذلك على ما ادعاه.
لقد كان في استطاعة إبراهيم عليه السلام أن يفحمه ويقول له:"أحي هذا الذي أمته"، ولكنه حين رأى منه هذه المغالطة الحمقاء آثر أن يأتي بصفة من صفات الله تعالى لا يستطيع هذا الملك الضال أن يماري فيها ويغالط {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} .
وددت - والله - لو كنا أنا وأنت حاضرتين ذاك المجلس، لنمتع الأبصار بما ظهَر عليه حين بهت لنراه وقد أخذته الحيرة والعجز، وامتقع لونه من خزي، وبرق بصره من دهش، وحاولت شفتاه أن تنطقا بمغالطة حمقاء أخرى فلم تقدرا على شيء، لنراه وقد أطرق إلى الأرض عاجزا مغلوبا والناس من حوله ينظرون إليه باحتقار وذهول.
كيف لا يبهت {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الذين يزعمون أنهم يقدرون على ما يقدر عليه الله سبحانه وتعال، ى ويرغبون عن ملة إبراهيم حنيفا؟!!.
إن الله لا يهديهم ولا يرشدهم إلى ما يدحضون به حجج أهل الحق والتوحيد.