الاستفهام في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى} استفهام تعجب وتعجيب وتنبيه، وموضع هذا التعجب والتنبيه حال هؤلاء اليهود يزعمون أنهم يتمسكون بكتاب الله الذي بين أيديهم وهو التوراة، وإذا دعوا إلى هذه التوراة لتحكم بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بين من أسلم منهم ومن لم يسلم ركبوا مطايا العناد، وأعرضوا إعراضا شديدا، ذلك لأن في هذه التوراة نعوت النبي صلى الله عليه وسلم وحقّ اتباعه، وهذا مالا يوافق أهواءهم التي ضلت ضلالا بعيدا.
الآية الخامسة:
قول الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} . الآية (٤٤) من سورة النساء.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى} استفهام تعجب وتعجيب وتنبيه، وموضع هذا كله حال هؤلاء اليهود الذين أوتوا نصيبا من التوراة يوجب عليهم اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، ومع ذلك يؤثرون الكفر والمعاندة والمخالفة على الإيمان به واتباع هداه.
ولا تكفيهم ضلالتهم، بل يريدون أن تضلوا أيها المؤمنون السبيل المستقيم كما ضلوا، إنهم يكرهون أن تكونوا مختصين بالهدى واتباع الحق، {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} .
لقد رأيت - يا أخت - أن اليهود قد استبدلوا الضلالة بالهدى، وأن الآية الكريمة عبرت عن هذا الاستبدال بـ (يشترون) لتبين أن حرصهم على الضلالة ورغبتهم فيها حرص المشتري على السلعة، لقد كان في هذا توبيخ لهم وتقريع، وتشنيع عليهم أيما تشنيع.