الحمد لله المحمودِ بكل لسان، المعروفِ بالجُود والإِحسان، الذي خلق الإِنسانَ وعلَّمه البيان، وأشهد أن لا إله إلَّا الله، شهادة أدَّخِرُها يوم العَرْض على الميزان، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، المنتخَبُ من وَلَدِ عدنان، صلَّى الله عليه وعلى عِترته الطاهرين، وصحبِه الأكرمين، ما اتفَقَ الفَرْقدان واختَلَف الجديدان.
أما بعد: فإن خير الأعمال الاشتغالُ بالعلم الديني، وأفضلُه وأعظَمُه بركةً معرفةُ صحيح حديث رسول الله ﷺ من مدخوله، ومُنْقَطِعِه من موصوله، وسالمِهِ من معلوله (١).
ولما خَصَّ الله هذه الأمة المحمدية بضبط حديث نبيها بالإِسناد المأمون، وتولَّى هو حفظَ كتابه العزيز، فقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
ونَدَب رسولُ الله ﷺ إلى الأخذ منه، والتبليغ عنه، وأوضح أن أحاديثه عليها مدارُ الشريعة، وبيان مراد الكتاب العزيز، وأنها المفسِّرة لمُجْمَلِه، والفاتحة لمُقْفَلِه، فقال ﷺ:"نَضَّر الله آمرأً سَمع منا حديثًا فأدَّاهُ كما سمعه، فرُبّ حاملِ فقهٍ غيرُ فقيه، ورب حاملِ فقهٍ إلى مَنْ هو أفقه منه".
(١) قال سلمان: الصواب لغة: مُعَلِّه. ومثل هذا لا يخفى على الحافظ ﵀، لكنه راعى السجع.