وكان والده وجده رحمهم الله تعالى يحترفان التجارة بصنع المنسوجات الغَزْلِيَّة، التي كانت تسمَّى (الصَّايَات) وهي قماشٌ ينسج بالنَّوْل اليدوي، تارة لُحْمَتُه وسَدَاه غَزْل، وتارة لحمته وسداه حرير.
وكانت منتوجاتُهما أعلى المنتوجات جودةً وإتقانًا ورونقًا ومتانة، فكانت تُطْلب من السوق بعينها لذاتها، ويُصدَّر منها المئات إلى تركيا في الأناضول، فكان أهل بر الأناضول رجالًا ونساءً يلبسون منها.
كان والدُه وجدُّه يتَّجران بهذه الصناعة والتجارة، وكانا يعدان من أهل اليسر المحدود لا الغنى الطافح المشهود، وكانا من أهل السِّتر والعفاف وأهل التمسك بالدين وشعائره والمواظبة على الذكر وقراءة القرآن، ونَشَّأوا أبناءهم على ذلك، فجزاهم الله عنهم خير الجزاء.
وبعد كساد صناعة (الصَّايَات) بسبب تحول اللباس عند الأتراك من الثياب إلى (البدلة) الإفرنجية، تحوَّل والده إلى متجر في سوق الزَّهْر بحلب المتفرع من شارع بَانْقُوسَا، كان يبيع فيه الأقمشة المختلفة مما يلبسه أهل الريف الحلبي.
ومن الطريف أنه يوم وُلد والدي ﵀ باعا (جده ووالده) ألفَ صَايَة (دَرْجَة) ففرحا كثيرًا. وأطلقا على المولود اسم عبد الفتاح لما فتح الله عليهما به يوم مولده.
وقد كان أساس سُكنى العائلة بحي الجُبَيْلَة، وقد كانت هناك أرض عليها دارٌ متواضعةٌ، وهي بالأصل لآل غدة وبعض أقاربهم وِرْثَة، فأخذ جده بشير - وقد كان من الوجهاء العقلاء الفصحاء النبلاء الفطنين الرزينين- هذه الأرضَ