فاصفَرَّ لون الجارية من الخوف والسَّهَر، فشكت إلى الحجاج: فقالت: إنه إذا نام الناس، يأتيني آتٍ، فيذهبُ بي إلى بيت فتىً شاب، فأكون فيه إلى الصباح، فإذا أصبحتُ أرى نَفْسِي في القَصْر.
قال: فأمر بطَشْتٍ من خَلُوق، فقال لها: إذا وصلتِ بيتَ الرجل فلطِّخي بابه، ففعلَتْ، وبعث الحَرَس فأتوه بالرجل، فقال له الحجاج: لك الأمانُ فأخبرني بقضيتك، فأخبره، فطلب عبدَ الله بن هلال فقال: يا أبا عبد الله تركتَ أهل الدنيا، وعامَلْتَني بهذا، ودعا بالسَّيف والنطع.
قال: فأخرج عبدُ الله كبة غزل، فأعطى طَرَفها الحجاج وقال: أمسك بهذا حتى أريك عَجَبًا قبل أن تقتلني، ورمى الكبة إلى الهواء، وتعلَّق بالخيط فارتفع، فلما صار في أعلى القصر قال: يأمرُ الأمير بشيء؟ ثم ذهب.
قال: وقبض عليه الحجاج مرةً غيرَ هذِهِ فسجنه، فقال لأهل السِّجْن: من شاء أن ينحدر معي إلى البصرة فليركب هذه السَّفينة، وخَطَّ مثل السفينة، فدخل معه فيها بعضهم، وامتنع آخرون، ونجا هو ومَنْ معه.
وقد قال محمد بن إسحاق النديم في "الفهرست" في الفن الثاني من المقالة الثامنة: وأمّا المعزمون ممن ينتحل الشرائع، فيزعمون أن ذلك يكون بطاعة الله، وأما غيرهم فهو من السِّحر، قال: وممن كان يعمل الطريقة المحمودة بأسماء الله ونحو ذلك، ابنُ الإِمام في زمان المعتَضِد ومِنْ قبلهم عبدُ الله بن هلال!؟
كذا قال، وكأنه ما اطَّلع على حاله جيدًا، فقد أورد محمد بن المنذر شكَّر في كتاب "العجائب" بسند له: إن عبد الله بن هلال صَدِيق إبليس، كان يترك لأجل إبليس صلاةَ العصر، وكانت حوائجُه عنده مقضية.