للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد وقفت على رواية ابن أبي داود عنه، ذكرتها في غير هذا الموضع (١)، وهي في "الطيوريات".

قال ابن قتيبة في "اختلاف الحديث": "ثم نصير إلى الجاحظ، وهو أحسنُهم للحجة استثارةً، وأشدُّهم تلطفًا لتعظيم الصغير حتى يعظُم، وتصغير العظيم حتى يصغُر، ويكمِّل الشيء ويُنْقِصه (٢)، فنجده مرةً يحتج للعثمانية على الرافضة، ومرةً للزَّيْدِية على أهل السنة، ومرة يفضّل عليًّا، ومرة يؤخِّره.

ويقول: قال رسول الله كذا، ويُتْبِعه: قال الجمّاز، ويَذْكر من الفواحش ما يَجِلّ رسول الله عن أن يُذْكَر في كتابٍ ذُكر أحدٌ منهم فيه، فكيف في ورقة، أو بعد سطر أو سطرين.

ويعمل كتابًا يذكر فيه حُجَج النصارى على المسلمين، فإذا صار إلى الرد عليهم تجوَّز للحجة، كأنه إنما أراد تنبيهَهُم على ما لا يعرفون، وتشكيكَ الضَّعَفة، ويستهزئ بالحديث استهزاءً لا يخفى على أهل العلم.

وذكر الحجرَ الأسود، وأنه كان أبيضَ، فسوَّده المشركون. قال: وقد كان يجب أن يبيضه المسلمون حين أسلموا، وأشياءَ من أحاديث أهل الكتاب، وهو مع هذا أكذبُ الأمة، وأوضعهم لحديثٍ، وأنصرُهم لباطل".

وقال النديمُ: قال المبرِّد: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة: الجاحظ، وإسماعيل القاضي، والفتح بن خاقان.

وقال النديم لما حكى قول الجاحظ: "لما قرأ المأمون كتبي قال: هي كتب لا يحتاج إلى حضورِ صاحبها عندي": إن الجاحظَ حَسَّن هذا اللفظ تعظيمًا لنفسه، وتفخيمًا لتأليفه، وإلَّا فالمأمون لا يقولُ ذلك.


(١) هي في "تاريخ بغداد" ١٢: ٢١٣.
(٢) وفي "تأويل مختلف الحديث": "ويَعْمل الشيء ونَقِيضَه". وهو الصحيح المتناسِبُ مع التفسير الذي ذكره عفبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>