أيضًا؟ قال: نعم، تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن فقال: هذا مُحالٌ، لأن الإِنس جسمٌ كثيف، والجنُّ روح لطيف، ولَنْ يعلو الجسمُ الكثيف الروحَ اللطيف. ثم بعد قليلٍ رأيتُه وبه شَجَّة فقال: تزوجتُ جِنِّية، ورُزِقت منها ثلاثة أولاد، فاتَّفق يومًا أني أغضبتها فضربتني بعَظْمٍ، حصلَتْ منه هذه الشَّجة، وانصرفَتْ فلم أرها بعدُ، هذا أو معناه. نقله لي بحروفه ابن رافع من خط أبي الفتح.
وما عندي أن المُحْيِيَ يتعمَّد كذبًا، لكن أثرت فيه تلك الخلواتُ والجوعُ فَسَادَ خَيالٍ وطرفَ جنون.
وصنف التصانيف في تصوف الفلاسفة وأهلِ الوَحْدة، فقال أشياء منكرة، عدَّها طائفةٌ من العلماء مُرُوقًا وزندقة، وعدَّها طائفةٌ من العلماء مِن إشارات العارفين ورُموز السالكين، وعدها طائفةٌ من متشابِهِ القول، وأن ظاهرَها كفرٌ وضلال، وباطنَها حق وعِرْفان، وأنه صحيح في نفسه، كبيرُ القَدْر.
وآخرون يقولون: قد قال هذا الباطل والضلال، فمن قال: إنه مات عليه؟ فالظاهرُ عندهم مِنْ حاله أنه رجع وأناب إلى الله، فإنه كان عالمًا بالآثار والسُّنن، قويَّ المشاركة في العلوم.
وقولي أنا فيه: إنه يجوز أن يكون من أولياء الله الذين اجتذبهم الحقُّ إلى جَنَابه عند الموت، وخُتِم له بالحسنى، فأما كلامُه، فمن فهمه وعَرَفه على قواعد الاتِّحادية، وعَلِمَ محطَّ القوم، وجَمَع بين أطراف عباراتهم: تبيَّن له الحقُّ في خلاف قولهم.
وكذلك من أمعن النظر في "فُصُوص الحِكَم"، أو أنعم التأمّل، لاح له العجبُ، فإن الذكيَّ إذا تأمل من ذلك الأقوالَ والنظائرَ والأشباهَ فهو أحدُ رجلَيْن: إما من الاتحادية في الباطن، وإما من المؤمنين بالله الذين يعدُّون أن هذه النِّحْلة من أكفر الكفر.