ونقل الثَّعلبي من طريق أبي جعفر النُّفَيلي، عن النَّضْر بن عربي، عن ميمون بن مِهْران، عن ابن عباس قال: من قال إن آدم قال شِعْرًا كذب على الله ورسوله، ورَمَى آدم بالمأثم، إن محمدًا والأنبياء كلَّهم في النهي عن الشعر سواء.
لكن لما قَتَل قابيلُ هابيلَ رثاهُ آدم وهو سُرْياني، وإنما يقول الشعرَ مَنْ يتكلم بالعربية، فقال لشِيْثٍ: أحفَظْ هذا الكلامَ ليتوارث فيرقّ الناسُ عليه، فلم يزل يُنْقَل إلى أن وصل إلى يَعْرُب بن قَحْطَان، وكان يتكلَّم بالعربية والسُّريانية، وكان يقول الشعرَ، فنظر في المَرْثية، فإذا هي سَجْع فقال: إن هذا لَيُقَوَّمُ شِعْرًا، فرد المقدَّم إلى المؤخر، فوَزَنه شِعْرًا، فخرج منه الأبياتُ وهي ثمانية، وذكر أبياتًا نحوها في الوَزْن والرَوِيَّ ثلاثة، ولإبليسَ أوَّلها:(تنَحَّ عن البِلاد) وهي أربعة.
وذكر حمزة الأصبهاني في كتاب "التصحيف" له، أن رجلًا كان يَضَعُ الأخبار على الأمم الماضية لثمودَ ومَدْين وطَسْم وجَدِيس، قال: فكان إذا احتاج إلى شعر يؤيّد به ما وَضَعه خرجَ إلى الأعراب، فمَنْ وجده منهم يقول الشعر، حَمَله وأضافه وزوَّده، وسأله أن يَعْمَل شعرًا على لسان مَنْ يريد، قال: فهو الذي اختلق قولَ آدم:
تغيرت البلاد ومن عليها … الأبيات.
وهو الذي اختلق قول أُخْتِ كَلَمُون صاحبِ مَدْين:
كَلَمُونٌ هَدَّ رُكْني … هُلْكُه …
وهو الذي اختلق قولَ المنتصر المَدِيني في هَلاك قومه من آل مَدْين:
ألَا يا شُعيبٌ قد نَطَقْتَ مقالةً … سَلَبْتَ بها عَمْرًا وحَيَّ بني عَمْرِو