وموضعه من العلم، ومكانه من الأدب، ومحله من الرواية، وتقدُّمُه في الشعر، ومنزلته في المجالس: أشهرُ من أن يُدَلّ عليها، وأما الغِناء فكان أصغَرَ علومِه، حتى كان المأمون مع معرفته وعلمه يقول: لولا ما سَبَق لإسحاقَ وشُهِر به عند الناس من الغِناء، لولَّيتُه القضاءَ بحضرتي، لأنه أعفُّ وأصدقُ وأكثرُ دِينًا وأمانة من كثيرٍ من القضاة.
ثم ساق بسَنَدٍ له إليه قال: بقيتُ دهرًا من دهري أُغَلِّس كل يوم إلى هُشَيم فأسمَعُ منه، ثم أصير إلى الكِسائي فأقرأ عليه جزءًا من القرآن، ثم أصير إلى زَلْزَل فيُضاربني طَرْقَينِ أو ثلاثة، ثم آتي الأصمعيَّ وأبا عُبَيدة، فأُناشِدُهما وأستفيد منهما، ثم أصير إلى أبي فأعْلِمُهُ بما صنعتُ.
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: كنت عند ابن عائشة؛ فجاءه إسحاق بن إبراهيم الموصلي فرحَّب به، وقال: ها هنا يا أبا محمد إلى جَنْبي.
وبسند آخر إليه قال: صرتُ إلى ابن عيينة لأسمع منه، فصَعُبَ مَرامُهُ، فسألتُ الفضل بن الرَّبيع، فكلَّمه، فَفَرض لي خمسةَ عشَرَ حديثًا في كلّ مجلس، فحدَّثني يومًا، فقلتُ له: هذا أعزك الله صحيح كما حدثتني؟ قال: نعم، قلت: فأَرْوِيه عنك؟ قال: نعم، وضَحِكَ إليَّ وقال: سَرَّني ما رأيتُ من تيقُّظك وتشدُّدك في الحديث، فصِرْ إليَّ متى شئتَ حتى أحدثَكَ بما شئتَ.
ثم رَوى بسَنَد له إلى حماد بن إسحاق، عن أبيه قال: رأيتُ في منامي كأنَّ جَريرًا يعني الشاعرَ يُنْشِدني من شعره، وأنا أسمع، فلمَّا فَرَغ أخذ بيده كُبَّةً من شَعَر فألقاها في فمي فابتلَعْتُها، فأوَّلَه بعضُ مَنْ ذكرتُهُ له أنه وَرَّثني الشعر.
وقال علي بن يحيى المنجِّم: سأل إسحاقُ المأمونَ أن يأذن له في الدخول إليه مع أهل العلم والأدب فأذِنَ له، ثم سأله أن يأذن له في الدخول مع الفقهاء فأذِنَ له.