فالحُسَين في حفظه وعلمه، وأبو ثور لا يَعْشُره، فتكلَّم فيه أحمدُ في باب اللفظ فسقَطَ، وأثنى على أبي ثورٍ، فارتفع للزُومه السّنة.
قلت: ووقفت على كتاب "القضاء" للكرابيسي في مجلّد ضخم، فيه أحاديث كثيرة، وآثارٌ ومباحث مع المخالفين، وفوائدُ جمة، تدل على سعة علمه وتبحره، ويقال: إنه من جملة مشايخ البخاري صاحب "الصحيح".
وذكر ابنُ أبي حاتم من طريق محمد بن موسى الخَوْلاني قال: ناظرتُ الكرابيسيَّ فقال: أقول: القرآنُ بلفظي غيرُ مخلوق، ولفظي بالقرآن مخلوق، فذكرتُ ذلك لأحمد فقال: هو جَهْمي.
وذَكَر مِن عدة طرق عن أحمد أنه رَمَى الكرابيسيَّ برأي جَهْم، وكذا عن أحمدَ بن صالح المصري، وأحمدَ ويعقوب الدَّوْرَقيَّين، وأبي ثور، وأبي هَمَّام الوليد بن شجاع، والزَّعفراني، وأحمدَ بن شيبان في آخرين.
وذكره ابن حبان في "الثقات" فقال: حدثنا عنه الحسن بن سفيان، وكان ممن جَمَع وصنَّف، ممن يحسن الفقه والحديث، ولكن أفسده قلّةُ عقله، فسبحان مَنْ رفع مَنْ شاء بالعلم اليسير حتى صار عَلَمًا يُقتَدَى به، ووضع مَنْ شاء مع العلم الكثير حتى صار لا يُلتفت إليه.
وقال مسلمة بن قاسم في "الصلة": كان الكرابيسي غيرَ ثقة في الرواية، وكان يقول بخلق القرآن، وكان مذهبُه في ذلك مذهبَ اللفظية، وكان يتفقَّه للشافعي، وكان صاحبَ حجة وكلام.
فتعقب ذلك الحَكَمُ المستنصر الأُموي على مَسْلمة، وأقذع في حق مَسْلمة في طُرَّة كتابه وقال: كان الكرابيسيُّ ثقة حافظًا، لكن أصحابَ أحمد بن حنبل هَجَروه لأنه قال: إن تلاوةَ التالي للقرآن مخلوقة، فاستُرِيب بذلك عند جَهَلة أصحاب الحديث.