وقال محمد بن سعيد بن الأصبهاني: سمعتُ شَرِيكًا يقول: احمِل العلمَ عن كل من لقيتَ إلَّا الرافضة، فإنهم يَضَعُون الحديث، ويتخذونه دِينًا.
هذا آخِرُ كلامه.
قلت: فالمنع من قبول رواية المبتدعة الذين لم يُكفَّروا ببدعتهم، كالرافضة والخوارج، ونحوِهم، ذهب إليه مالك وأصحابُه، والقاضي أبو بكر الباقِلَّاني وأتباعُه.
والقبولُ مطلقًا، إلَّا فيمن يُكفرُ ببدعته، وإلَّا فيمن يَستحل الكذبَ، ذهب إليه أبو حنيفة، وأبو يوسف، وطائفة. ورُوي عن الشافعي أيضًا.
وأما التفصيل: فهو الذي عليه أكثرُ أهلِ الحديث، بل نَقَل فيه ابنُ حِبَّان إجماعَهم، ووَجْهُ ذلك: أن المبتدع إذا كان داعية، كان عنده باعث على رواية ما يَشُدّ به بدعتَه.
وقد حكى القاضي عبد اللّه بن عيسى بن لَهِيعة، عن شيخ من الخوارج أنه سمعه يقول بعد ما تاب:"إن هذه الأحاديث دِين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنَّا كنا إذا هَوِينا أمرًا صَيَّرناه حديثًا"(١). حَدَّث بها عبد الرحمن بن مَهْدي الإِمام، عن ابن لَهِيعة، فهي من قديم حديثه الصحيح.
أنبأنَا بذلك إبراهيم بن داود شِفاهًا، أخبرنا إبراهيم بن علي، أخبرنا أبو الفرج بن الصَّيْقَل، أخبرنا أحمدُ بن محمد كتابة، أخبرنا الحسن بن أحمد، أخبرنا أبو نُعَيم، حدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا أبو يحيى الرازي، حدثنا عبد الرحمن بن عمر، حدثنا ابنُ مهدي بها.
قلتُ: وهذه واللّه قاصمة الظهر للمحتجين بالمراسيل، إذْ بدعةُ الخوارج كانت في صدر الإِسلام والصحابةُ متوافِرون، ثم في عصر التابعين، فمن