للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بعدَهم، وهؤلاء كانوا إذا استحسنوا أمرًا جعلوه حديثًا، وأشاعوه، فربما سمعه الرجل السُّنِّي، فحدَّث به، ولم يَذكر من حَدَّثَهُ به تحسينًا للظن به، فيَحمِلُه عنه غيرُه، ويجيء الذي يَحتج بالمقاطيع فيَحتج به، ويكونُ أصلهُ ما ذكرتُ، فلا حول ولا قوة إلَّا باللّه.

وينبغي أن يقيد قولُنا بقَبول رواية المبتدع إذا كان صدوقًا ولم يكن داعيةً: بشرطِ أن لا يكون الحديثُ الذي يُحدِّث به مما يَعْضُد بدعتَه ويَشُدّها، فإنا لا نأمن حينئذ عليه غلبةَ الهوى، واللّه الموفق.

فقد نَصَّ على هذا القيدِ في هذه المسألة الحافظُ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجُوزجاني شيخُ النسائي، فقال في مقدمة كتابه في "الجرح والتعديل" (١):

"ومنهم زائغ عن الحق، صدوقُ اللهجة، قد جَرَى في الناس حديثُه، لكنه مخذولٌ في بدعته، مأمون في روايته، فهؤلاء ليس فيهم حِيلة، إلَّا أن يؤخذ من حديثهم ما يُعرَف، إلَّا ما يُقوّي به بدعتَه فيُتَّهمُ بذلك" (٢).

وقال حماد بن سَلَمة: حدثني شيخ لهم - يعني الرافضة - قال: كنا إذا اجتمعنا فاستحسَنّا شيئًا: جعلناه حديثًا (٣).

وقال مُسَبِّحُ بن الجَهْم الأسلمي التابعي (٤): كان رجل منا في الأهواء


(١) أي "أحوال الرجال" له، ص ٣٢.
(٢) هكذا في الأصول، وهو استثناء بعدَ استثناء، وعبارةُ الجوزجاني في كتابه: (إذا لم يُقَوِّ به بدعته، فيُتَّهمُ عندَ ذلك). وهذا من تصرُّف الحافظ ابن حجر المعروف لأنه يكتب من حفظه.
(٣) "الموضوعات" ١: ٣٩.
(٤) سَمّاه ابن عدي في مقدمة "الكامل" ١: ١٤٤: (منذر بن الجهم) وله ترجمة في "التاريخ الكبير" ٧: ٣٥٨ و "الجرح والتعديل" ٨: ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>