ولا يطلب من أحد شيئًا، ولا يسكن مدرسةً، بل كان مقيمًا بمسجده، يصلي فيه إمامًا، ويقرئ الناس ويَنْسَخ، نحوًا من ستين سنة.
وله مصنفاتٌ حسنة، وتاريخٌ ذَيَّل به على تاريخِ شيخه، ولم يزل قليل الحظ، منغَّص العَيش، مُقَتَّرًا عليه، إلى أن اتفق أن الوزير ابنَ رئيس الرؤساء، سأل عن مسألة في الحكمة، فدلُّوه عليه، فكتب له جوابًا شافيًا، فأجرى له راتبًا، وبلغ خبرُه أمَّ الخليفة، فصارت تتَفَقَّدُه بأنواع من الأطعمة والحلوى.
وكان قد طَعَن في السِّنّ، وسقطت أسنانُه، فكان لا يتمكن من تناول ما يشتهيه، فَيَشْكِي لمن يدخل عليه من ذلك، فنَسَبُوه إلى الاعتراض على القَدَر. وحَكَوا عنه أشياء من ذلك.
ثم نقل عن أحمد البَنْدَنيجي أنه دخل على صدقة يومًا فوجده متضجِّرًا، فسأله فقال: كنت في شبابي وصحة شهوتي، أُعْطَى كلَّ يوم من خبز الخمير (١) فكنت إذا أردت أن آخذ برغيف منه باذنجانة أأتدم بها، لا يكفيني الخبز، فآكل الخبز بغير أدم.
فلما كَبِرت وعَجَزت، وضَعُفت الشهوة والمعدة، رُزقت من الأطعمة اللذيذة، ما أبصره وأتحسَّر عليه.
وذكر قصة غلامه وخِيانته إياه في بيع ذلك.
وذكر قصة لابن المقفع أنه جمع ذلك في "من ارتدّ من حَنَقِهِ ممّن يخدمه" وقال: أريد أن يُلْحَق اسمي في ذلك الكتاب.
ونُقل عنه أنه قال لآخر: لَمَّا كانت لي أسنان صِحاح، ما كنت أقدر على ثمن التَّمر، والآن لما ذهبَتْ أسناني فُتح عليَّ من الحلوى التي لا أستطيع تناولها
(١) الكلمتان غير واضحتان في الأصول. وصورتهما في ص: (لحمر الحر).