وروى عنه بالإِجازة سُريج بن محمد بن سُريج المقبُري، فكان خاتمةَ من روى عنه. وكان أولُ سماعه في سنة أربع مئة.
قال صاعد بن أحمد الرَّبَعي: كان ابن حزم، أجمعَ أهل الأندلس كلِّهم لعلوم الإِسلام، وأوسعهم معرفة. وله مع ذلك توسُّع في علم اللِّسان، وحظٌّ من البلاغة، ومعرفة بالسِّير والأنساب.
أخبرني ولده أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تآليفه أربع مئة مجلَّد يحتوي على نحو ثمانين ألف ورقة، وكان أبوه وَزَر للمنصور بن أبي عامر، ثم للمظفَّر بن المنصور، ثم وزر هو للمستظهر بن المؤيَّد، ثم تَرَك.
وقال الحُمَيدي: كان حافظًا للحديث وفقهِهِ، مستنبطًا للأحكام من الكتاب والسنَّة، متفنِّنًا في علوم جَمَّة، عاملًا بعلمه، ما رأينا مثلَه فيما اجتمع له من الذكاء، وسُرْعة الحفظ، والتديُّن، وكرم النفس.
وكان له في الأثر باعٌ واسع، وما رأيتُ من يقول الشعر أسرع منه، وقد جمعتُ شعره على حروف المعجم.
وقد تتبَّع أغلاطَه في الاستدلال والنظر، عبدُ الحق بن عبد الله الأنصاري في كتاب سمّاه "الردّ على المحلَّى".
وقال اليسع المؤرخ الغافقي (١): كان محفوظُه البحرَ العُجَاج، ولقد حَفِظ على المسلمين علومَهم، وأربا على أهل كل دِين، وألَف "المِلَل والنِّحَل".
حدثني عمر بن واجب قال: كنا ببَلَنْسِيَة ندرس الفقه، فدخل أبو محمد فسمع، ثم سأل عن شيء من الفقه فأُجِيب، فاعترض، فقيل له: ليس هذا من
(١) هو اليسع بن عيسى بن حزم الغافقي، مؤرخ ومقرئ، له كتاب "المُغْرِب في محاسن المَغْرِب". وله ترجمة في: "غاية النهاية" ٢: ٣٨٥ و "مرآة الجنان" ٤٠٢:٣.