مُنْتَخلاتك، فقام وقعد، ودخل منزله وحَلَف، فما كان بعد أشهر قريبة، يعني قصدَنا إلى ذلك الموضع، فناظر أحسن مناظرة.
قلت: وكان ذلك جرى له بعدَ القصة التي ذكرها عبدُ الله بن محمد بن العَرَبي والدُ القاضي أبي بكر، فإنه حكى أنَّ ابن حزم ذكر له: أنه شهد جِنازةً، فدخل المسجدَ، فجلس قبل أن يصلِّي، فقيل له: قم فصلِّ تحيةَ المسجد، ففعل. ثم حضر أخرى فبدأ بالصلاة، فقيل له: اجلس ليس هذا وقتَ صلاة، وكان بعد العصر، فحصل له خِزْي.
فقال للذي رَبَّاه: دُلَّني على دار الفقيه، فقصده وقرأ عليه "الموطأ"، ثم جَدَّ في الطلب بعد ذلك، إلى أن صار منه ما صار، ولم يزل مستظهِرًا، إلى أن قَدِم أبو الوليد الباجي من العراق، وقد توسَّع في علم النظر ولقي الأئمة، فناظر ابنَ حزم، فانتصف منه. ولهما مناظرات مدوَّنة في "جزء".
ثم تعصب عليه فقهاءُ المالكية بأمراء تلك الديار، فمَقَتوه وآذَوه، وطردوه، وحَرَّقوا كتبه علانية، وله في ذلك:
فإن يَحْرِقوا القرْطاس لا يَحْرِقوا الذي … تضمَّنه القرطاسُ، بل هو في صَدْري
[الأبيات](١).
قال: وهذا القَدْر لا يُعرف لأحدٍ من علماء الإِسلام، إلَّا لابن جرير الطبري.
وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان بن حيان: كان ابنُ حزم حاملَ فنونٍ من حديثٍ وفقهٍ ونَسَبٍ وأدب، مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة، وكان لا يخلو في فنونه من غَلَط، لجرأته في التَّسَوُّر على كل فن.