ومال أولًا إلى قول الشافعي، وناضل عنه، حتى نُسِب إلى الشذوذ، واستهدف لكثير من فقهاء عصره.
ثم عدل إلى الظاهر، فجادَل عنه، ولم يكن يلطُف في صَدْعه بما عنده: بتعريضٍ ولا تدريج، بل يَصُكّ به مُعارِضَه صَكَّ الجَنْدَل، ويُنْشِقه في أنفه إنْشاقَ الخَرْدَل.
فتمالأ عليه فقهاءُ عصره، وأجمعوا على تضليله، وشنَّعوا عليه، وحذروا أكابرهم من فتنته، ونَهَوا عوامَّهم عن الاقتراب منه.
فطفقوا يُقْصونه، وهو مُصِرّ على طريقته، حتى كَمُل له من تصانيفه وِقْرُ بعير، لم يتجاوَزْ أكثرُها عَتَبة بابه، لِزُهد العلماء فيها، حتى لقد أُحرق بعضها بإشبيلية، ومُزِّقت علانية.
ولم يكن مع ذلك سالمًا من اضطراب رأيه، وكان لا يظهر عليه أثرُ علمه حتى يُسأل، فيتفجَّر منه علم لا تكدِّرُه الدِّلاء.
وكان مما يزيد في بغض الناس له، تعصُّبه لبني أمية، ماضيهم وباقيهم، واعتقادُه بصحة إمامتهم، حتى نُسِب إلى النَّصْب.
وكان لابن حزم ابن عم يقال له: عبد الوهاب بن العلاء بن سعيد بن حزم، يكنى أبا العلاء، وكان من الوزراء، وبينهما منافسة ومخالفة، فوقف على شيء من تآليف أبي محمد، فكتب إليه رسالة بليغةً يعيب ذاك المؤلَّف، قد ساقها ابن بسام في "الذخيرة".
قال: فكتب أبو محمد له الجواب ونصّه: سمعتُ وأطعتُ لقول الله تعالى ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ وسلَّمتُ وانْقَدْتُ لقول رسول الله ﷺ: "صِلْ مَنْ قَطَعك، واعفُ عمَّن ظَلَمك"، ورضيت بقول الحكيم: كفاك انتصارًا ممّن آذاك إعراضُك عنه. وأنشد بعدها أبياتًا منها: