قال السِّيرافي: انتهى علم النحو بعد المازني، والجَرْمي، وطبقتهما إليه، وكان إسماعيل القاضي يقول: ما رأى المبرد مثل نفسه. قال: وسمعت أبا بكر بن مجاهد يقول: ما رأيت أحسن جوابًا في معاني القرآن، مما ليس فيه قولٌ لمتقدِّم، من المبرِّد. قال: وسمعت نفطويه يقول: ما رأيت أحفظ للأخبار بغير أسانيد منه.
وقال أبو علي التنوخي: حدثني الحسن بن سهل، حدثني المفجَّع قال: كان المبرد لِعِظَم حفظه اللغةَ واتساعه فيها، يُتَّهم بالكذب، فتواضعنا على مسألة لا أصل لها، نسأله عنها لننظر كيف يجيب، فقطَّعْنا بيتًا للنابغة:
"أبا مُنْذِرٍ أفنيتَ فاستَبْقِ بعضَنا"، فخرج في التقطيع (قِبَعْضَنَا)، فقلت له: أيَّدك الله ما القِبَعْضُ؟ فقال: القُطْن (١)، قال الشاعر:
كأن سَنَامها حُشِي القِبَعْضا
فقلت لأصحابي: اسمعوا فهذا الشاهد إن كان صحيحًا فهو عَجَبٌ، وإلَّا فقد اختلقه في الحال.
وقال المفجَّع البصري: اتُّهم بالكذب في نقل اللغة، وهذا روي عن المفجَّع بإسنادٍ مظلم، والمفجَّع لا يعتدّ بجرحه.
وقرأت في كتاب "الفُصُوص" لصاعد بن الحسن الرَّبَعي: حدثني أبو الحسن علي بن مهدي الفارسي، سمعت ابن الأنباري يقول: سئل المبرد عن معنى حديث: "نَهَى عن المُجَثَّمة" ما المجثَّمةُ؟ قال: المهزولة، فسئل عن الشاهد على ذلك فقال: قولُ الشاعر:
لم يبق من آل الوَحِيد نَسَمَهْ … إلَّا عُنَيزٌ بالفَلا مجثَّمهْ