قال: فبلغ هذا الكلامُ أبا حنيفة الدينوري فقال: كَذَب فعل الله به وصنع، أخطأ التفسير، وكَذَب في الشاهد، وإنما اختلقه في وقته، والدليلُ على ذلك أنه لَحَن فيه قوله: إلَّا عُنَيزٌ بالفَلا، وتصغير عَنْز: عُنَيزة، لأنها أنثى، وإنما المجثَّمة: الشاةُ تُجعل غَرَضًا وتُرْمَى، وهي المَصْبُورة.
وكان بين ثعلب والمبرد من المناقشة والعداوة ما لا يشرح، حتى كان يكفِّر كل واحد منهما صاحبه.
وقال أبو علي الجوهري: أخبرنا محمد بن عمران المرزباني، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي سعيد، أنشدنا أحمد بن أبي طاهر لنفسه:
كثرت في المبرّد الآدابُ … واستُقِلّت في عقله الألبابُ
غير أن الفتى كما زعم النَّـ … ـــــــاسُ دَعِيّ مُصَحِّف كذابُ
قلت: وهذه الحكاية مما تصرَّف فيه صاعد، فزاد فيها ونقص، وقد ذكرها الحموي في "معجم الأدباء" ولفظه: ورد المبرَّدُ الدينورَ زائرًا لعيسى بن ماهان، فقال له: ما الشاة المجثَّمة؟ فقال: القليلة اللبن، فقال: هل من شاهد؟ قال: قول الراجز:
لم يبق من آل الوحيد نَسَمه … إلَّا عُنَيز بالفَلا مجثَّمه
فاتفق أنْ دخل أبو حنيفة الدينوري، فسأله عيسى عن الشاة المجثَّمة فقال: هي التي جُثِمَت على رُكَبها، وذُبِحت من قفاها، فذَكَر له كلام المبرد، فقال: أيمان البيعة لازمةٌ لي إن كان هذا الشيخُ سمع هذا التفسير من أصله، وإن كان البيتان إلَّا لساعتهما هذه، فقال المبرد: صدق الشيخُ، فإني أَنِفْتُ أن أقدُم من بغداد، وذِكْرِي قد شاع، فأولُ شيء أُسْأَل عنه أقول: لا أعرفه، قال: فاستَحْسَن منه الاعتراف وعدم البَهْت.
وكان المبرد مشهورًا بحسن العبارة والفصاحة ولطافة النادرة. ومات