الحسين بن مُرَّة بن عبد الجبار الجُعْفي، أبو الطيب المتنبّي، ولد سنة ثلاث وثلاث مئة، ونشأ بالكوفة، وأقام بالبادية، وتَعَانَى الأدبَ، ونظر في أيام الناس، ونظم الشِّعر حتى بلغ الغاية، إلى أن فاق أهلَ عصره.
وانقطع إلى ابن حَمْدان، فأكثر المدح فيه، ثم دخل مِصْر ومدح كافورًا، وأقام مدة، ثم ورد إلى العراق، وجالس بها أهل الأدب، وقرئ عليه "ديوانُ" شعره، وسَمعَ منه "ديوانهُ" أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المَحَاملي.
قال أبو علي التَّنُوخي: حدثني أبو الحُسَين محمد بن يحيى العَلَوي قال: كان والدُ أبي الطيب يلقَّب عَيْدان، بفتح المهملة وسكون التحتانية، فنشأ أبو الطيب يصحب الأعراب، وأكثَرَ من ملازمة الورَّاقين فبان علمُه مع حفظه وذكائه، فذكر بعض الورَّاقين أنه رأى معه كتابًا من كتب الأصمعي نحو ثلاثين ورقة، فأطال النظر فيه، قال: فقلت له: إن كنتَ تريد حفظه فيكونُ بعد شهر، فقال: فإن كنتُ حفظته في هذه المدة؟ قلتُ: فهو لك، قال: فأخذتُ الدَّفْتر من يده فسَرَده، ثم استلبه فجعله في كُمّه.
قال: وكان يَخرجُ إلى بادية كَلْبٍ فأقام فيهم، فادَّعى أنه عَلَوي ثم ادَّعى النبوة، ثم أُخِذ فحُبِس طويلًا واستُتِيب، وكان لؤلؤٌ أميرُ حِمْصَ خرج إليه فقاتله، وشرَّد مَنْ معه من قبائل العرب، وكان بعد ذلك إذا ذُكِر له ذلك يُنكِره ويَجْحَده.
وكان من المكثرين من نقل اللغة حتى يُقال: إن أبا علي الفارسيَّ قال له: كم لنا من الجموع على وزن فِعْلى؟ يعني بكسر أوله مقصورًا، فقال المتنبي في الحال: حِجْلَى وظِرْبَى، قال أبو علي: فطالعتُ كتب اللغة ثلاث ليال، على أن أجد لهذين الجمعين ثالثًا فلم أجد، وحِجْلَى جمع حِجْل وهو طائر معروف، وظِرْبَى جمع ظِرْبان وهي دُوَيبةٌ مُنْتِنَة الرائحة.