يفهمها أبو جعفر، فبالغ المُزَني في تقريبها له فلم يتَّفق ذلك، فغضب المُزَني متضجِّرًا، فقال: والله لا جاء منك شيء، فقام أبو جعفر من عنده، وتحوَّل إلى أبي جعفر بن أبي عِمرانَ، وكان قاضيَ الديار المصرية بعد القاضي بَكَّار، فتفقه عنده ولازمه، إلى إن صار منه ما صار.
قال الشيخ أبو إسحاق الشِّيرازي: بلغنا أن أبا جعفر لما صنَّف "مختصره" في الفقه قال: رحم الله أبا إبراهيم يعني المُزَنيَّ، لو كان حيًا لكفَّر عن يمينه، يعني الذي حَلَفه أنه لا يجيءُ منه شيء.
وتعقَّب هذا بعضُ الأئمة بأنه لا يلزم المزنيَّ في ذلك كفارة، لأنه حلف على غلبةِ ظنه، ويمكن أن يُجاب عن أبي جعفر بأنه أورد ذلك على سبيل المُبالغة، ولا شك أنه يُستحبّ الكفارة في مثل ذلك، ولو لم يُقَل بالوجوب، وليس يخفى ذلك على مثل أبي جعفر.
لكن قرأتُ بخط محمد بن الزكيّ المُنذري، أن الطحاويَّ إنما قال ذلك لما مَرَّ بقبر المزنيّ، فأجابه بعضُ الفقهاء بأن المزنيَّ لا يلزمه الحِنْثُ أصلًا، لأن مَنْ ترك مذهب أصحاب الحديث وأخذ بالرأي لم يُفْلِح.
وناب أبو جعفرٍ في القضاء عن محمد بن عَبْدة قاضي مصر بعد السَّبعين ومئتين، وترقَّت حاله بمصر.
قال أبو سعيد بن يونس: كان ثقة ثبتًا فقيهًا عاقلًا لم يُخلِّف مثلَه.
وقال مَسلمة بن قاسم الأندلسي في كتاب "الصلة": كان ثقة، جليلَ القَدْر، فقيه البَدَن، عالمًا باختلاف العلماء، بصيرًا بالتَّصنيف، وكان يذهب مذهب أبي حنيفة، وكان شديدَ العصبية فيه.
قال: وقال لي أبو بكر محمد بن معاوية بن الأحمر القُرَشي: دخلت مصر قبل الثلاث مئة وأهلُ مصر يَرْمون الطحاويَّ بأمر عظيم فظيع، يعني من جهة