فلما فرغ استَنَد ونُصِبَت بين يديه الشموعُ ثم قال: خذوا في شيء، فقال ذلك الشيخ: أيْشٍ رَوَى أبو عُبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أمه، عن أبيه، فلم يقل أبو سعيد الفاريابي شيئًا، فقلت أنا: حدثنا بَكَّار بن قتيبة، حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان، عن عبد الأعلى الثَّعْلَبي، عن أبي عُبيدة بن عبد الله، عن أمه، عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال:"إن الله لَيَغار للمؤمن فَلْيَغَر".
قال: فقال لي ذلك الشيخ: أتدري ما تتكلَّم به؟ فقلت له: أيْشٍ الخبرُ؟ فقال لي: رأيتُك العشيةَ مع الفقهاء في مَيْدانهم، ورأيتكَ الساعةَ في أصحاب الحديث في مَيْدانهم، وقَلَّ مَنْ يجمع ما بين الحالتين، فقلتُ: هذا من فضل الله وإنعامه، فأُعجِبَ القاضي في وصفه لي، ثم أخذنا في المذاكرة.
قال ابن زُوْلاق: وأراد أبو جعفر الطحاوي مقاسمةَ عمِّه في الرَّيْعِ الذي بينهما، فحكم له القاضي بالقِسْمة، وأرسل إليه بمالٍ يستعين به في ذلك، ووافق ذلك إِملاكًا في مجلس أحمد بن طُولون، فحضره أبو جعفر الطحاوي، وقرأ الكتاب، وعَقَد النكاح، فخرج خادمٌ بصِيْنِيَّةٍ فيها مئة دينار وطِيْبٌ فقال: كُمّ القاضي، فقال القاضي: كُمّ أبي جعفر، فألقاها في كُمّه، ثم خرج إلى الشهود، وكانوا عشرة بعشرة صَواني، والقاضي يقول: كُمّ أبي جعفر، ثم خرجت صينية أبي جعفر، فانصرف أبو جعفر ذلك اليوم بألفٍ ومئتي دينار سوى الطِّيب.
قال ابن زُولاق: وحدثني عبد الله بن عثمان قال: سمعت أبا جعفر الطحاوي يقول: كانت لأبي الجَيْش بن أحمد بن طولون أميرِ مصر شهادةٌ، فحضر الشهود، وكان كلَّما كتب شاهدٌ شهادته، قرأها الأمير والقاضي، وكان كل شاهد يكتب: أشهدني الأميرُ أبو الجَيْش ابن أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين. قال أبو جعفر: فلما شهدتُ أنا، كتبت: أشهد على إقرار الأميرِ