أبي الجيش ابن أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين، أطال الله بقاءَه، وأدام عِزَّه وعلوَّه، يُقرّ بجميع ما في هذا الكتاب، فلما قرأه الأميرُ قال للقاضي: مَنْ هذا؟ قال: هذا كاتبي، فقال أبو مَنْ؟ قال: أبو جعفر، فقال: وأنتَ يا أبا جعفر، فأطال الله بقاءك، وأدام عزَّك، قال: فقمتُ بسبب ذلك محسودًا من الجماعة.
قال ابن زُوْلاق: فلم يزل محمد بن عبدة على القضاء بمصر إلى أن قُتِل أبو الجيش فانحرف أهل البلد عن محمد بن عَبْدة وعن أصحابِهِ، فأَغْرَوا بهم نائبَ هارون بن أبي الجيش، فاعتَقَل أبا جعفر الطحاوي بسبب اعتبار الأوقاف.
قال ابن زُوْلاق: وسمعت أبا الحسن علي بن أبي جعفر الطحاوي يقول: سمعت أبي يقول، وذَكَرَ فضلَ أبي عبيد بن حَرْبُويه وفقهه فقال: كان يذاكرني بالمسائل، فأجبته يومًا في مسألة فقال لي: ما هذا قولُ أبي حنيفة، فقلت له: أيها القاضي أوَ كُلُّ ما قاله أبو حنيفة أقولُ به؟ فقال: ما ظننتُك إلَّا مقلِّدًا، فقلت له: وهل يُقَلِّد إلَّا عَصَبي؟ فقال لي: أو غَبِيّ؟ قال: فطارت هذه الكلمة بمصر، حتى صارت مَثَلًا وحَفِظَها الناس.
قال: وكان الشهود يَنْفَسُون على أبي جعفر بالشهادة، لئلا تجتمع له رياسةُ العلم وقَبولُ الشهادة، فلم يزل أبو عُبَيد في سنة ست وثلاث مئة، حتى عَدَّله بشهادة أبي القاسم مأمون، ومحمد بن موسى سِقْلاب، فقَبِله وقَدَّمه، وكان أكثرُ الشهود في تلك السنة قد حَجُّوا وجاوروا بمكة، فتم لأبي عُبيدٍ ما أراد من تعديله.
قال: وكان أبو جعفر الطحاوي إذا ذاكر أبا عبيد يقول كثيرًا في كلامه: قال ابن أبي عمران قال ابن أبي عمران، يعني أستاذه، فلما طال هذا على أبي عبيد قال: يا هذا كم قال ابنُ أبي عمران؟ قد رأيتُ هذا الرجل بالعراق،