أبو جعفر: ياذن لي القاضي في القيام إلى موضع؟ فقال: قم، فقام أبو جعفر يجرّ رداءه قد سقط بعضُه ومال، فأقام في ناحيةٍ، ثم عاد فجثى على رُكبتيه وقال: نعم أعزك الله أشهدُ بكذا وكذا، فأخذ منه أبو عُبيد الكتاب وعَلَّم على شهادته.
قال ابن زُولاق: كان أبو زكريا يحيى بنُ محمد بن عَمْرُوس عاقلًا، وهو الذي أدَّب أبا جعفر الطحاويَّ وعلَّمه القرآن، وكان يقال: ليس في الجامع ساريةٌ إلَّا وقد ختم أبو زكريا عندها القرآن. قال: ولما ولي عبدُ الرحمن بن إسحاق بن محمد بن مَعْمر الجوهري القضاءَ بمصر، كان يركب بعد أبي جعفر ويَنْزِل بعده، فقيل له في ذلك فقال: هذا واجبٌ لأنه عالمنا وقُدْوتنا، وهو أسن مني بإحدى عشرة سنة، ولو كانت إحدى عشرة ساعة، لكان القضاءُ أقلَّ من أن أفتخر به على أبي جعفر.
ولما وَلي أبو محمد عبد الله بن زَبرْ قضاءَ مصر، وحضر عنده أبو جعفر الطحاوي فشَهِد عنده: أكرمه غايةَ الإِكرام، وسأله عن حديثٍ ذكر أنه كتبه عن رجل عنه من ثلاثين سنة، فأملاه عليه.
قال: وحدثني الحسين بن عبد الله القُرَشي، قال: كان أبو عثمان أحمد بن إبراهيم بن حماد في ولايته القضاء بمصر، يُلازم أبا جعفر الطحاوي، يَسْمع عليه الحديث، فدخل رجلٌ من أهل أَسْوان، فسأل أبا جعفر عن مسألة، فقال أبو جعفر: مِنْ مذهب القاضي أيَّده الله كذا وكذا، فقال له: ما جئتُ إلى القاضي إنما جئت إليك، فقال له: يا هذا مِنْ مذهب القاضي ما قلتُ لك، فأعاد القول، فقال أبو عثمان: تُفْتِيه أعزكَّ الله، فقال: إذا أَذِن القاضي أفتيتُه، فقال: قد أَذِنْتُ، فأفتاه، قال: فكان ذلك يُعدّ في فضل أبي جعفر وأدبه.