غُمِز أو لُمز بمغمز ولو غير صحيح، فذكروا ذلك في ترجمته، وأدخلوها -على الاحتمال الضعيف- في صف المُتكَلَّم فيهم بحق ويقين، وذلك بُغْيَة الاستقصاء في كشف حال النَّقَلة للسنة النبوية، والعلوم الإِسلامية، ليكون الأخلاف على بصيرة من حال رجال الأسلاف، أداءً للأمانة وصونًا للشريعة المطهرة، وحرصًا على الكلمة أن ينالها الزلل أو يبلغها الخلل، فكانوا بذلك أمناء لدينهم جِدَّ أمناء، ومخلصين للعلم أيَّ مخلصين، وهذه مزية وخَصِيصة لم تكن لغيرهم من الأمم، فمن هذا وأمثاله كانوا خير أمة أخرجت للناس.
وقد شهد بذلك أحد المستشرقين الكبار وهو العالم الألماني المعروف بـ "اسبرنجر" في مقدمته بالإنجليزية على كتاب "الإِصابة" المطبوع في كلكتا سنة ١٨٥٣ م- ١٨٦٤ م، قال:"لم يعرف التاريخ في ماضيه ولا حاضره أمة أتت في علم الرجال بمثل ما أتى به المسلمون خدمة لحديث نبيهم ﷺ في هذا العلم العظيم الشأن الذي تناول سيرة وأحوال خمس مئة ألف إنسان"(١).
وقد تتابعت جهودهم في التأليف في الرجال بدءًا من منتصف القرن الثاني للهجرة تقريبًا إلى القرن التاسع، وقد حَظِي القرن الثامن والتاسع بأئمة مهرة في الحفظ والمعرفة والإِتقان ونقد الرجال كالحافظ المزي، وتلميذه الحافظ الذهبي، والحافظ العراقي وتلميذه الحافظ ابن حجر وغيرهم رحمة الله عليهم، فألَّفوا في الرجال كتبًا عظامًا ضخامًا مُحَرَّرة، جعلتْ مَنْ بعدَهم عالة على كتبهم في هذا العلم الخطير.
(١) أورد ذلك فضيلة الشيخ العلامة الداعية المفضال أبو الحسن علي الحسني الندوي حفظه الله في مقدمته على كتاب مولانا الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي رحمه الله تعالى "الأبواب والتراجم للبخاري".