وكان من أبرز ما ألَّفه الحافظ ابن حجر في رجال الحديث كتابُه الحافل العجاب:"لسان الميزان"، الذي دَوَّن فيه ما استفاده من كتب الأئمة الحفاظ سابقيه: كالذهبي والعراقي وسواهما فأصبح كتابُه هذا مرجعًا في بابه، إمامًا في محرابه، وحُقَّ له أن يحظى بهذه الرتبة العالية والمقام الرفيع.
وأذكر هنا أن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، ألَّف كتابه "اللسان" قبل تأليفه كتابه "تهذيب التهذيب"، فقد فرغ من "اللسان" سنة ٨٠٥، وفرغ من "تهذيب التهذيب" سنة ٨٠٨، فلذلك كانت الإِحالة عنده في "اللسان" إلى "تهذيب الكمال" في أكثر الأحيان، وهذا مما تنبغي الإِشارة إليه والانتباه له.
وأذكر هنا أيضًا أن الحافظ رحمه الله تعالى لم يذكر في كتابه "اللسان" أنه أراد استقصاء تراجم الرواة الضعفاء، وإنما اهتم باستيفاء تراجم "الميزان"، وأضاف إليها ما جاء في أصول "الميزان" ومتعلقاته، فيخطئ من ظنَّ أن "اللسان" قد استوفى جميع تراجم الرواة الضعفاء.
وقد تفنَّن المحدِّثون الكبار من معاصري الحافظ ابن حجر والتالين لعصره، بخدمة كتابه استدراكًا عليه واختصارًا له …
ولمَّا وجد شيوخ الحديث وكبار علماء المدرسة النِّظَامِيَّة في مدينة حيدرآباد الدَّكَّن بالهند: الحاجةَ الماسةَ إلى نشره وطبعه وتيسير وصول نسخه إلى أيدي العلماء والمُحَدِّثين والدارسين، نهضوا بهذا العبء الثقيل على قدر طاقتهم وإمكاناتهم المادية المحدودة، وتيسُّر وسائِل عصرهم، واعتمدوا على ما مَكَّنَتهم منه ظروفهم الضيقة بالحصول عليه من أصلٍ مخطوط، فطبعوا هذا الكتاب في مدة ثلاث سنين من سنة ١٣٢٩ حتى سنة ١٣٣١، وكان لهم الفضل العظيم في طبع هذا الكتاب الفريد قبل نحو تسعين سنة.