واعتذار المصنِّف عن أئمة الجرح عن تَرْكِ ذكره لكونه زِنْدِيقًا ليس بعُذْر، لأن له رواياتٍ كثيرةً موقوفةً ومرفوعة، وفي كتاب "الأغاني" لأبي الفَرَج منها جملةٌ كبيرة، فكيف لا يُذْكَر ليُحْذَر.
وقوله: إن رواية حديثه إثمٌ مكرَّر، ليس كذلك لِمَا ذَكَره بعدُ من أنه لبيان حاله، نعم، كان ينبغي له أن لا يُسْنِد عنه، بل يَذكرَه ويَذكرَ في أيّ كتابٍ هو، فهذا كافٍ في التحذير.
وإسحاقُ بن محمد هذا اسمُ جده أحمد بن أبان (١)، وهو الذي يروي محمد بن خلف بن المَرْزُبان عنه، عن حسين بن دَحْمَان الأشقر، قال: كنتُ بالمدينة، فخلا لي الطريقُ نصفَ النهار، فجعلت أتغنَّى: ما بالُ أهلِكِ يا رَبابُ … الأبيات. وفيه قصة مالكٍ معه، وإخبارُهُ عن مالك، أنه كان يُجيد الغِناء، في حكايةٍ أظنُّها مختَلَقة، رواها صاحب كتاب "الأغاني" عن ابن المَرْزُبان، ولا يُغترّ بها، فإنها من رواية هذا الكذَّاب.
وقال عُبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر في كتاب "أخبار المعتضد": حدثني أبو الحسن أحمد بن يحيى بن علي بن يحيى، حدثني أبو بكر محمد بن خلف المعروف بوَكيع قال: كنتُ أنا ومحمد بن داود بن الجراح نَصِيرُ إلى إسحاق بن محمد النَّخَعي بباب الكوفة نكتبُ عنه، وكان شديد التشيُّع، فكنا في يوم من الأيام عنده، إذ دخل عليه رجل لا نعرفه، فنهض إليه النَّخَعي وسلَّم عليه وأقعده مكانه، واحتفل به غايةَ الاحتفال، واشتغل عنا، فلم يَزَلْ معه كذلك مدة ثم تسارّا إسرارًا طويلًا.
ثم خرج الرجلُ من عنده، فأقبل علينا النَّخَعي لما خرج فقال: أتعرفان هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا رجل من أهل الكوفة يُعرَف بابن أبي الفُوسِ، وله
(١) في الأصول: اسم جده: أبان. والتصويب من "تاريخ بغداد" ٦: ٣٧٨.