• قال القرطبي: قوله تعالى (نُوحِيهِ إِلَيكَ) فيه دلالة على نبوّة محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث أخبر عن قصة زكريا ومريم ولم يكن قرأ الكتب؛ وأخبر عن ذلك وصدّقه أهل الكتاب بذلك؛ فذلك قوله تعالى (نُوحِيهِ إِلَيكَ) فردّ الكناية إلى "ذلك" فلذلك ذُكِّر.
(وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) أي: وما كنت عندهم إذ يختصمون ويتنافسون على كفالة مريم حين ألقوا أقلامهم للقرعة كل يريدها في كنفه ورعايته.
• والأقلام جمع قلم وهي التي كانوا يكتبون بها التوراة، وقيل المراد بها السهام.
أي: وما كنت - يا محمد - لديهم أي: عندهم معايناً لفعلهم وما جرى من أمرهم في شأن مريم، إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ التي جعلوا عليها علامات يعرف بها من يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون فيما بينهم بسببها تنافسا في كفالتها
والغرض: أن هذه الأخبار كانت وحياً من عند الله العليم الخبير.
• قال الرازي: ذكروا في تلك الأقلام وجوهاً:
الأول: المراد بالأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة وسائر كتب الله تعالى، وكان القراع على أن كل من جرى قلمه على عكس جري الماء فالحق معه، فلما فعلوا ذلك صار قلم زكريا كذلك فسلموا الأمر له وهذا قول الأكثرين.
والثاني: أنهم لما ألقوا عصيهم في الماء الجاري جرت عصا زكريا على ضد جرية الماء فغلبهم، هذا قول الربيع
والثالث: قال أبو مسلم: معنى يلقون أقلامهم مما كانت الأمم تفعله من المساهمة عند التنازع فيطرحون منها ما يكتبون عليها أسماءهم فمن خرج له السهم سلم له الأمر، وقد قال الله تعالى (فساهم فَكَانَ مِنَ المدحضين) وهو شبيه بأمر القداح التي تتقاسم بها العرب لحم الجزور، وإنما سميت هذه السهام أقلاماً لأنها تقلم وتبرى، وكل ما قطعت منه شيئاً بعد شيء فقد قلمته، ولهذا السبب يسمى ما يكتب به قلماً.
• قال القاضي: وقوع لفظ القلم على هذه الأشياء وإن كان صحيحاً نظراً إلى أصل الاشتقاق، إلا أن العرف أوجب اختصاص القلم بهذا الذي يكتب به، فوجب حمل لفظ القلم عليه.