(مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦)). [النساء: ٤٦].
(مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ) في متعلق قوله (مِنَ الذين) وجوه:
الأول: أن يكون بياناً للذين أوتوا نصيباً من الكتاب، والتقدير: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب من الذين هادوا.
والثاني: أن يتعلق بقوله (نَصِيراً) والتقدير: وكفى بالله نصيراً من الذين هادوا، وهو كقوله (ونصرناه مِنَ القوم الذين كَذَّبُواْ بآياتنا).
والثالث: قيل هي مستأنفة، معناه: من الذين هادُوا مَنْ يُحرِّفون، كقوله تعالى (وما مِنَّا إلا له مقامٌ معلوم) أي: مَنْ له مقام معلوم، يُريدُ: فريق. … (تفسير البغوي، تفسير الرازي).
• قال ابن كثير: (من) هذه لبيان الجنس كقوله (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ).
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) أي: يتأولون على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل، قصداً منهم وافتراء.
• قال البغوي: يعني صفة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
• اختلف العلماء هل التحريف معنوي أو لفظي؟
والعلماء متفقون على وقوع التحريف من أهل الكتاب في معاني التوراة والإنجيل، فإن تحريفهم المعاني لا ينكر، وإنما النزاع هل حرّفت الألفاظ أم لا؟
فقيل: أنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر.
وهذا نسب لبعض العلماء.
وقيل: أن بعض ألفاظ التوراة والإنجيل وليس أكثرها قد أصابها التحريف.
قال بهذا: ابن تيمية، وابن القيم، وكثير من علماء المسلمين.
• قال ابن تيمية: أما تغيير بعض ألفاظها، ففيه نزاع بين المسلمين، والصواب الذي عليه الجمهور، أنه بدّل بعض ألفاظها.
• وقال ابن كثير: وأما ما بأيديهم من التوراة المعربة فلا يشك عاقل في تبديلها وتحريف كثير من ألفاظها، وتغيير القصص والألفاظ والزيادات والنقص البين الواضح، وفيها من الكذب البين والخطأ الفاحش شيء كثير جداً، فأما ما يتلونه بلسانهم ويكتبونه بأقلامهم، فلا اطلاع لنا عليه، والمظنون بهم أنهم كذبة خونة يكثرون الفرية على الله ورسله وكتبه.
وقيل: أن ألفاظ التوراة والإنجيل لم تُحرّف، وأن التحريف واقع في المعاني فقط.
قال البخاريّ في (صحيحه) يحرفون يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله، ولكنهم يتأولونه على غير تأويله.
وهو اختيار الرازيّ أيضاً، وهو ظاهر اختيار ابن عبد البر، ويُنسب لابن عباس، وقد نفى ابن حجر نسبة هذا القول لابن عباس.