(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِر (٣٤)). [البقرة: ٣٤].
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) هذا كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم امتن بها على ذريته، حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم.
وقال الآلوسي: وحكمة الأمر بالسجود إظهار الاعتراف بفضله عليه السلام.
(فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) أي سجدوا جميعاً غير إبليس.
(أَبَى) امتنع.
(وَاسْتَكْبَرَ) تعاظم.
(وَكَانَ مِنَ الْكَافِر) أي: وصار من الكافرين.
• قوله تعالى (وَكَانَ مِنَ الكافرين) قيل: كان هنا بمعنى صار؛ ومنه قوله تعالى (فَكَانَ مِنَ المغرقين).
وقال جمهور المتأوّلين: المعنى أي كان في علم الله تعالى أنه سيكفر؛ لأن الكافر حقيقةً والمؤمنَ حقيقةً هو الذي قد علم الله منه الموافاة.
قلت: وهذا صحيح؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح البخاري (إنما الأعمال بالخواتيم).
وقيل: إن إبليس عبد اللَّه تعالى ثمانين ألف سنة، وأُعْطي الرياسة والخِزانة في الجنة على الاستدراج؛ كما أعْطى المنافقون شهادة أن لا إله إلا الله على أطراف ألسنتهم، وكما أُعْطي بَلْعَام الاسم الأعظم على طرف لسانه؛ فكان في رياسته والكبر في نفسه متمكن.
• الكفر لغة: الستر، ومنه سمي الزارع كافراً، لأنه يستر البذر ويغطيه ويدفنه في الأرض، وسمي الليل كافراً لأنه يغطي كل شيء، وسميت الكفارة بذلك لأنها تستر الذنب، وسمي الشخص كافراً لأنه يستر نعمة الله عليه، والكفر بالله ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: كفر استكبار وعناد وإصرار، ومنه كفر إبليس، فهو كفر استكبار كما قال الله (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).
والثاني: كفر جحود وتكذيب وإنكار، كما قال تعالى (وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ)، ومنه كفر قريش حيث قالوا فيما حكى الله عنهم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ).