(لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)). [آل عمران: ١١٣ - ١١٥].
(لَيْسُوا سَوَاءً) المشهور عن كثير من المفسرين -كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره، ورواه العَوْفِيّ عن ابن عباس-أن هذه الآيات نزلت فيمن آمَنَ من أحبار أهل الكتاب، كعبد الله بن سَلام وأسَد بن عُبَيْد وثعلبة بن سَعْية وأسَيد بن سعْية وغيرهم، أي: لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب [وهؤلاء الذين أسلموا، ولهذا قال تعالى (لَيْسُوا سَوَاءً) أي: ليسوا كلُّهم على حَدّ سواء، بل منهم المؤمن ومنهم المُجْرم، ولهذا قال تعالى:
(مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ) قال الآلوسي: قوله تعالى (مّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ) استئناف مبين لكيفية عدم التساوي ومزيل لما فيه من الإبهام.
• قال ابن عاشور: قوله تعالى (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ .. ) استئناف قصد به إنصاف طائفة من أهل الكتاب، بعد الحكم على معظمهم بصيغة تعمّهم، تأكيداً لِما أفاده قولُه (منهم المؤمنون وأكثرُهم الفاسقون) فالضمير في قوله (ليسوا) لأهل الكتاب المتحدّث عنهم آنفاً، وهم اليهود، وهذه الجملة تتنزّل من التي بعدها منزلة التمهيد.
• قوله تعالى (أمة قائمة) وقيل: أنها قائمة في الصلاة يتلون آيات الله آناء الليل فعبّر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل وهو كقوله (وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً وقياما) وقوله (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل).
وقوله (قُمِ الليل) وقوله (وَقُومُواْ لِلَّهِ قانتين) والذي يدل على أن المراد من هذا القيام في الصلاة قوله (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) والظاهر أن السجدة لا تكون إلا في الصلاة.
وقيل: في تفسير كونها قائمة: أنها ثابتة على التمسك بالدين الحق ملازمة له غير مضطربة في التمسك به كقوله (إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) أي ملازماً للاقتضاء ثابتاً على المطالبة مستقصياً فيها، ومنه قوله تعالى: (قَائِمَاً بالقسط).
• قال ابن كثير: أي: قائمة بأمر الله، مطيعة لشَرْعه مُتَّبِعة نبيَّ الله، فهي (قَائِمَةٌ) يعني مستقيمة.
(يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) أي: يقومون الليل، ويكثرون التهجد، ويتلون القرآن في صلواتهم.
(وهم يسجدون) المراد بذلك الصلاة.
(يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ومن ذلك الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.
(وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وهو كل ما يكون بعد الموت.
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) يأمرون بكل خير.
(وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وينهون عن كل شر.
(وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) المسارعة في الخيرات تقتضي فعلها وتكميلها والإتيان بها على أكمل وجه.
• فينبغي للمسلم أن يبادر للخيرات والأعمال الصالحات الواجبات والمستحبات. (وسيأتي ما يتعلق بالمسارعة للخيرات قريباً إن شاء الله)