• وقد اختلف العلماء في المراد بكتاب الله هنا على قولين:
قيل: أنهم نبذوا التوراة وأعرضوا عنها.
وقيل: أن المراد بالكتاب هنا هو القرآن.
ورجح كثير من العلماء القول الأول.
• قال الرازي مرجحاً القول الأول: وهذا هو الأقرب، لوجهين:
الأول: أن النبذ لا يعقل إلا فيما تمسكوا به أولاً وأما إذا لم يلتفتوا إليه لا يقال إنهم نبذوه.
الثاني: أنه قال (نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب) ولو كان المراد به القرآن لم يكن لتخصيص الفريق معنى لأن جميعهم لا يصدقون بالقرآن.
• قال الشوكاني: قوله تعالى (كتاب الله وراء ظهورهم):
قيل: التوراة، لأنهم لما كفروا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وبما أنزل عليه بعد أن أخذ الله عليهم في التوراة والإيمان به واتباعه، وبين لهم صفته، كأن ذلك منهم نبذاً للتوراة ونقضاً لها ورفضاً لما فيها.
ويجوز أن يراد بالكتاب هنا القرآن، أي جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم من التوراة نبذوا كتاب الله الذي جاء به هذا الرسول، وهذا أظهر.
• قال أبو حيان: ومعنى نبذهم له: اطراح أحكامه، أو اطراح ما فيه من صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ الكفر ببعض، كفر بالجميع.
• قوله تعالى (فريق … ) مفهومه أن فريقاً منهم آمن كالنجاشي من النصارى، وعبد الله بن سلام من اليهود).
• قال الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن كثيراً من اليهود نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ولم يؤمنوا به، وبين في موضع آخر أن هؤلاء الذين لم يؤمنوا بالكتاب هم الأكثر، وذلك في قوله تعالى: (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).
• قوله تعالى (نَبَذَ فَرِيقٌ) النبذ: الطرح والإلقاء والترك والاستغناء.
(كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) تشبيه لهم بمن لا يعلم شيئاً مع كونهم يعلمون علماً يقيناً من التوراة بما يجب عليهم من الإيمان بهذا النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكنهم لما لم يعملوا بالعلم، بل عملوا عمل من لا يعلم من نبذ كتاب الله وراء ظهورهم، كانوا بمنزلة من لا يعلم.
وهذا من أخص صفات اليهود، ترك الحق وكتمانه وتكذيبه وجحده بعد معرفته قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ).