للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥)). [سورة البقرة: ١٤٥].

(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) يخبر تعالى عن كفر اليهود وعنادهم ومخالفتهم ما يعرفونه من شأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لو قام عليهم كل دليل على صحة ما جاءهم به لما اتبعوه وتركوا أهواءهم كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ).

• وفائدة إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك: إراحة قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- وإبعاد الشغل والفكر في هؤلاء عنه، أي: لا تشتغل بهم ولا تفكر فيهم.

(وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) هذا الإخبار يمكن أن يكون بمعنى النهي من الله سبحانه لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، أي: لا تتبع يا محمد قبلتهم، ويمكن أن يكون على ظاهره دفعاً لأطماع أهل الكتاب، وقطعاً لما يرجونه من رجوعه -صلى الله عليه وسلم- إلى القبلة التي كان عليها. (قاله الشوكاني).

والثاني أولى، ولهذا قال ابن كثير: هو إخبار عن شدة متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما أمره الله تعالى به، وأنه كما هم مستمسكون بآرائهم وأهوائهم، فهو أيضاً مستمسك بأمر الله وطاعته واتباع مرضاته، وأنه لا يتبع أهواءهم في جميع أحواله.

(وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) أي: إن النصارى لا يتبعون قبلة اليهود، كما أن اليهود لا يتبعون قبلة النصارى، لما بينهم من العداوة والخلاف الشديد.

كما قال تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ).

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) أي: ما يهوونه ويريدونه.

والهوى: هو الميل عن الحق والمخالفة له بلا دليل من شرع أو عقل، وهو ضد الهدى كما قال تعالى (إنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى).

• قال السعدي: إنما قال: (أهواءهم) ولم يقل دينهم، لأن ما هم عليه مجرد أهوية نفس، حتى هم في قلوبهم يعلمون أنه ليس بدين، ومن ترك الدين، اتبع الهوى ولا محالة، قال تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ).

<<  <  ج: ص:  >  >>