للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (٤٥)). [النساء: ٤٤ - ٤٥].

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ) يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة، أنهم يشترون الضلالة بالهدى ويعرضون عما أنزل الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- ويتركون ما بأيديهم من العلم عن الأنبياء الأولين في صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- ليشتروا به ثمناً قليلاً من حطام الدنيا.

• قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ .. ) الاستفهام هنا للتقرير، أي: يقرر الله سبحانه ذلك على وجه المشاهدة، والخطاب يحتمل أن يكون للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويحتمل أن يكون لكل من يتوجه الخطاب إليه.

• قال الرازي: الذين أوتوا نصيباً من الكتاب: هم اليهود، ويدل عليه وجوه:

الأول: أن قوله بعد هذه الآية (منَ الذين هَادُواْ) متعلق بهذه الآية.

الثاني: روى ابن عباس أن هذه الآية نزلت في حبرين من أحبار اليهود، كانا يأتيان رأس المنافقان عبد الله بن أبي ورهطه فيثبطونهم عن الإسلام.

الثالث: أن عداوة اليهود كانت أكثر من عداوة النصارى بنص القرآن، فكانت إحالة هذا المعنى على اليهود أولى.

• وقد وصفهم - سبحانه - بأنهم أوتوا نصيباً من الكتاب، ولم يؤتوا الكتاب كله، لأنهم نسوا حظاً كبيراً مما ذكروا به، ولم يبق عندهم من علم الكتاب إلا القليل، وهذا القليل لم يعملوا به بل حرفوه وبدلوه وأخضعوا تفسيره لأهوائهم وشهواتهم.

(يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ) أي: بالهدى، كما قال تعالى في آية أخرى (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا

كَانُوا مُهْتَدِينَ).

أي: يختارون (الضَّلالَةَ) وهي هنا كتمان العلم، وهو تكذيب النبي -صلى الله عليه وسلم- وكتم صفته التي في كتبهم (بِالْهُدَى) وهو نشر ما في كتبهم من صفة الرسول وذكر مبعثه والبشارة به واتباعه وتصديقه.

فمعنى (يشترون) يختارون، ولكنه عبر بهذا، لأن المشتري طالب راغب في السلعة، فكان هؤلاء - والعياذ بالله - طالبون راغبون في الضلالة بمنزلة المشتري.

• قال السعدي: قوله تعالى (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) أي: يحبونها محبة عظيمة ويؤثرونها إيثار من يبذل المال الكثير في طلب ما يحبه، فيؤثرون الضلال على الهدى، والكفر على الإيمان، والشقاء على السعادة.

• قال الشوكاني: قوله تعالى (يَشْتَرُونَ) جملة حالية، والمراد بالاشتراء: الاستبدال، وقد تقدم تحقيق معناه. والمعنى: أن اليهود استبدلوا الضلالة، وهي: البقاء على اليهودية، بعد وضوح الحجة على صحة نبوّة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>