(لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ) قيل: إن المخاطبين في الآية هم المسلمون، وقيل: هم المشركون، حيث قالت قريش: لن نبعث ولن نعذب فنزلت الآية، واختاره ابن جرير، قال: لأن المسلمين لم يجر لأمانيهم ذكر فيما مضى من الآي قبل قوله (ليس بأمانيكم) وإنما جرى ذكر أماني نصيب الشيطان المفروض.
والمعنى: ليس ما وعد الله تعالى من الثواب يحصل بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، وإنما يحصل بالإيمان والعمل الصالح.
• قال ابن كثير: والمعنى في الآية: أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، وليس كل من ادعى شيئاً حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال (إنه هو المحق) سمِع قوله بمجرد ذلك، حتى يكون له من الله برهان، ولهذا قال تعالى (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ) أي: ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني، بل العبرة بطاعة الله، واتباع ما شرعه على ألسنة رسله الكرام.
• قال الحسن: ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل، إن قوماً آلهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم.
وقد جاء في الحديث (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني). رواه الترمذي
• قال السعدي (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ) أي: (لَيْسَ) الأمر والنجاة والتزكية (بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ) والأماني: أحاديث النفس المجردة عن العمل، المقترن بها دعوى مجردة لو عورضت بمثلها لكانت من جنسها، وهذا عامّ في كل أمر، فكيف بأمر الإيمان والسعادة الأبدية؟!
فإن أماني أهل الكتاب قد أخبر الله بها أنهم قالوا (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ) وغيرهم ممن ليس ينتسب لكتاب ولا رسول من باب أولى وأحرى.
وكذلك أدخل الله في ذلك من ينتسب إلى الإسلام لكمال العدل والإنصاف، فإن مجرد الانتساب إلى أي دين كان، لا يفيد شيئا إن لم يأت الإنسان ببرهان على صحة دعواه، فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها ولهذا قال تعالى (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) وهذا شامل لجميع العاملين، لأن السوء شامل لأي ذنب كان من صغائر الذنوب وكبائرها، وشامل أيضاً لكل جزاء قليل أو كثير، دنيوي أو أخروي.