(وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)). [آل عمران: ١٣٣ - ١٣٤].
(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) أي: إلى أسبابهما من الأعمال الصالحة.
• قال ابن الجوزي: ومعنى الآية: بادروا إلى ما يوجب المغفرة.
• وقال الرازي: في الكلام حذف والمعنى: وسارعوا إلى ما يوجب مغفرة من ربكم ولا شك أن الموجب للمغفرة ليس إلا فعل المأمورات وترك المنهيات، فكان هذا أمراً بالمسارعة إلى فعل المأمورات وترك المنهيات.
وتقديم المغفرة على الجنة لما أن التخلية مقدمة على التحلية.
(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) تقديره كعرض فحذف المضاف؛ كقوله (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ) أي إِلا كخلق نفس واحدة وبعثها، ونظيره في سورة الحديد (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السمآء والأرض). (تفسير القرطبي).
قال ابن كثير: وقد قيل: إن معنى قوله (عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ) تنبيها على اتساع طولها، كما قال في صفة فرش الجنة (بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) أي: فما ظنك بالظهائر؟
وقيل: بل عرضها كطولها؛ لأنها قبة تحت العرش، والشيء المُقَبَّب والمستدير عَرْضُه كطوله، وقد دل على ذلك ما ثبت في الصحيح (إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ الجنة فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَسَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْمَن)
وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحديد (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) الآية.
• قال القرطبي: قوله تعالى (عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) واختلف العلماء في تأويله؛ فقال ابن عباس: تُقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض؛ فذلك عرض الجنة، ولا يعلم طولها إلا الله.
وهذا قول الجمهور، وذلك لا ينكر؛ فإن في حديث أبي ذرّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (ما السموات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم ألقيت في فلاةٍ من الأرض وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض) فهذه مخلوقات أعظم بكثير جداً من السموات والأرض، وقدرة الله أعظم من ذلك كله.