للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧)). [سورة البقرة: ١٤٦ - ١٤٧].

(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) من علماء أهل الكتاب.

(يَعْرِفُونَهُ) اختلف في مرجع الضمير:

فقيل: إنه عائد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي يعرفونه معرفة جلية، يميزون بينه وبين غيره كما يعرفون أبناءهم، لا تشتبه عليهم وأبناء غيرهم.

وقيل: إن الضمير في قوله (يَعْرِفُونَهُ) راجع إلى أمر القبلة: أي علماء أهل الكتاب يعرفون أمر القبلة التي نقلت إليها كما يعرفون أبناءهم وهو قول ابن عباس وقتادة والربيع وابن زيد.

ورجح هذا القول الطبري والشوكاني، لأن السياق في أمر القبلة.

ورجح الرازي القول الأول، وقال: واعلم أن القول الأول أولى من وجوه:

أحدها: أن الضمير إنما يرجع إلى مذكور سابق، وأقرب المذكورات العلم في قوله (مّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ العلم) والمراد من ذلك العلم: النبوة، فكأنه تعالى قال: إنهم يعرفون ذلك العلم كما يعرفون أبناءهم، وأما أمر القبلة فما تقدم ذكره البتة.

وثانيها: أن الله تعالى ما أخبر في القرآن أن أمر تحويل القبلة مذكور في التوراة والإنجيل، وأخبر فيه أن نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- مذكورة في التوراة والإنجيل، فكان صرف هذه المعرفة إلى أمر النبوة أولى.

وثالثها: أن المعجزات لا تدل أول دلالتها إلا على صدق محمد -عليه السلام-، فأما أمر القبلة فذلك إنما يثبت لأنه أحد ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- فكان صرف هذه المعرفة إلى أمر النبوة أولى.

(كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) أي: كما يعرف أحدهم ابنه لا امتراء ولا شك.

• قال في التسهيل (كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) مبالغة في وصف المعرفة، وقال عبد الله بن سلام معرفتي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أشدّ من معرفتي بابني؛ لأن ابني قد يمكن فيه الشك.

• وإنما كانوا يعرفونه كمعرفتهم أبناءهم، لما جاء في كتبهم من البشارة به -صلى الله عليه وسلم- وذكر صفاته، وكمال دينه، وفضيلة أمته، قال تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ).

<<  <  ج: ص:  >  >>