للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨)). [سورة البقرة: ١١٨].

(وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ) اختلف العلماء في قائل هذا:

فقيل: هم النصارى، ورجحه الطبري، لأنهم المذكورون في الآية أولاً.

وقيل: هم اليهود، لأنهم طلبوا من موسى الآيات وقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة.

وقيل: هذا قول كفار العرب.

ويؤيد هذا القول، وأن القائلين ذلك هم مشركي العرب:

قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ).

وقوله تعالى عنهم: (فلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ).

وقوله تعالى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) إلى قوله (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً).

وقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا).

وقوله تعالى: (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كفر مشركي العرب وعتوهم وعنادهم وسؤالهم ما لا حاجة لهم به، إنما الكفر والمعاندة كما قال من قبلهم من الأمم الخالية من أهل الكتابين وغيرهم، كما قال تعالى: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) وقال تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً)

قوله تعالى (أو تأتينا آية) أي: يريدون معجزة - عناداً وعتواً - كسؤال رؤية الله، وكسؤالهم جعل الصفا ذهباً، وكسؤالهم الرقي في السماء ونحو ذلك.

(كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) المراد بهم اليهود والنصارى.

قال ابن عاشور: وفي هذا الكلام تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم- بأن ما لقيه من قومه مثل ما لاقاه الرسل قبله ولذلك أردفت هذه الآية بقوله (إنا أرسلناك بالحق).

(تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) أي أشبهت قلوب مشركي العرب، قلوب من تقدمهم في الكفر والعناد والعتو، كما قال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَوَاصَوْا بِهِ بَل).

قال الرازي: (تشابهت قُلُوبُهُمْ) فالمراد أن المكذبين للرسل تتشابه أقوالهم وأفعالهم، فكما أن قوم موسى كانوا أبداً في التعنت واقتراح الأباطيل، كقولهم (لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد) وقولهم (اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ) وقولهم (أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا) وقولهم (أَرِنَا الله جَهْرَةً) فكذلك هؤلاء المشركون يكونون أبداً في العناد واللجاج وطلب الباطل.

<<  <  ج: ص:  >  >>