للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ترجمة ابن جريج: قال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وابن جريج: لمن طلبتم العلم؟!! كلهم يقول: لنفسي. غير أنَّ ابن جريج فإنَّه قال: طلبته للناس.

قال الذهبي - رحمه الله - تعليقًا على هذا الخبر: " قلت: ما أحسن الصدق، واليوم تسأل الفقيه الغبي لمن طلبت العلم؟

يبادر ويقول: طلبته لله، ويكذب إنَّما طلبه للدنيا، ويا قلة ما عرف منه.

وقال عبد الله بن المعتز: علم المنافق في قوله، وعلم المؤمن في عمله.

وقال ابن القيم: العمل لأجل الناس وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم، ورجائهم للضر والنفع منهم: لا يكون من عارف بهم البتة، بل جاهل بشأنهم، وجاهل بربه، فمن عرف الناس أنزلهم منازلهم، ومن عرف الله أخلص له أعماله وأقواله.

(وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) وهذا من أعظم صفاتهم.

وهذه الصفة فيها الدلالة العظيمة على فضل ذكر الله، حيث أن الإكثار من ذكر الله أمان من النفاق.

• قال الرازي: قوله تعالى (وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) فيها وجوه:

الأول: المراد بذكر الله الصلاة، والمعنى أنهم لا يصلون إلا قليلاً، لأنه متى لم يكن معهم أحد من الأجانب لم يصلوا، وإذا كانوا مع الناس فعند دخول وقت الصلاة يتكلفون حتى يصيروا غائبين عن أعين الناس.

الثاني: أن المراد بذكر الله أنهم كانوا في صلاتهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، وهو الذي يظهر مثل التكبيرات، فأما الذي يخفى مثل القراءة والتسبيحات فهم لا يذكرونها.

الثالث: المراد أنهم لا يذكرون الله في جميع الأوقات سواء كان ذلك الوقت وقت الصلاة أو لم يكن وقت الصلاة إلا قليلاً نادراً.

(مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ) يعني: المنافقين متحيرين بين الإيمان والكفر، فلا هم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً، ولا مع الكافرين ظاهراً وباطناً، بل ظواهرهم مع المؤمنين، وبواطنهم مع الكافرين، ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء، وتارة يميل إلى أولئك.

• قال القرطبي: المذَبْذَب: المتردّد بين أمرين؛ والذَبذبة الاضطراب، يقال: ذَبْذَبْته فتذبذب فهؤلاء المنافقون متردّدون بين المؤمنين والمشركين، لا مخلصين الإيمان ولا مصرَّحين بالكفر، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تَعِير إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى).

(ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ) لعدم استعداده للهداية والتوفيق.

(فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) طريقاً موصلاً إلى الحق والصواب فضلاً عن أن تهديه إليه، والخطاب لكل من يصلح له وهو أبلغ في التفظيع.

[الفوائد]

١ - أن المنافقين أهل خداع ومكر.

٢ - أن الله يخدع من يخادعه.

٣ - أن من صفات المنافقين ثقل الصلاة عليهم.

٤ - أن المنافق لا يذكر الله إلا قليلاً.

٥ - فضل الإكثار من ذكر الله، وأن ذلك أمان من النفاق.

٦ - تحريم الرياء، وأنه من صفات المنافقين.

٧ - أن المنافق دائماً مضطرب متردد.

٨ - أن من أضله الله فلن يستطيع أحد أن يهديه.

٩ - سؤال الله الهداية.

(الثلاثاء: ١٠/ ٧/ ١٤٣٤ هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>