للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَاتَّقُوا اللَّهَ) أي: خافوه وراقبوه، واتبعوا أمره واتركوا زجره.

• قال ابن عاشور: أمر بالتّقوى لأنّها مِلاك الخير، وبها يكون ترك الفسوق.

(وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) أي: ويبين لكم الواجب لكم وعليكم.

كقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)، وكقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ).

• وقال القرطبي: وعدٌ من الله تعالى بأن من اتقاه علّمه، أي يجعل في قلبه نوراً يفهم به ما يلقى إليه؛ وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فرقاناً، أي فيْصَلا يفصل به بين الحق والباطل؛ ومنه قوله تعالى (يِا أَيُّهَا الذين آمنوا إَن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً).

(وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي: هو عالم بحقائق الأمور ومصالحها وعواقبها، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء، بل علمه محيط بجميع الكائنات.

[الفوائد]

١ - تصدير الخطاب للمؤمنين بالنداء للتنبيه والعناية والاهتمام بما تضمنته هذه الآية.

٢ - جواز التعامل بالدين كما في هذه الآية، وكقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) وأجمعت الأمة على جوازه، والحكمة تقتضي ذلك في جانب المدين والدائن:

ففي جانب المدين: لأن الإنسان قد يحتاج شيئاً فلا يملك المال ليشتريه، فيستدين من أجل ذلك، ففيه سد حاجة المحتاج بطريق مشروع، بدلاً من طرق محرمة.

وأما في جانب الدائن: فقد يكون الديْن سبباً لتصريف كثير من التجار لبضائعهم وسلعهم، وأيضاً لما فيه من الثواب والأجر والقرض الحسن، وأيضاً فيه مظهر عظيم من مظاهر التعاون.

٣ - أن الأجل في الدين لابد أن يكون معلوماً محدداً، فأما إذا كان مجهولاً فلا يجوز.

لقوله تعالى ( .. إلى أجل مسمى .. ).

ولقوله -صلى الله عليه وسلم- (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، … إلى أجل معلوم) متفق عليه.

ولحديث أبي هريرة (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم.

ولأن جهالة الأجل تؤدي إلى الغرر وإلى النزاع بين البائع والمشتري.

٤ - مشروعية كتابة الدين لقوله (فاكتبوه) وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوبه، لأن هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، وذهب جمهور العلماء إلى أن كتابة الدين مستحبة وليست بواجبة، وحملوا الأمر في الآية على الاستحباب بدليل قوله تعالى (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ابتاع بلا كتابة ولا إشهاد كما في حديث خزيمة بن ثابت وسيأتي إن شاء الله.

٥ - حضور كل من الدائن والمدين عند كتابة الدين لقوله تعالى (وليكتب بينكم).

٦ - يجب أن يكون الكاتب بين المتداينين عدلاً، بحيث يكتب بالعدل المطابق للواقع، الموافق للشرع من غير ميل لأحدهما.

٧ - ظاهر الآية أن الكاتب لا يكون أحد المتعاقدين، لكن لو تراضيا أن يكتب أحدهما وبخاصة الذي عليه الحق صح ذلك، لأن ذلك بمثابة الاعتراف منه والاقرار على نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>