(إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أي فيما تدعونه، ثم قال تعالى:
(بَلَى) أي: ليس بأمانيكم ودعاويكم، ولكن:
(مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) أي من أخلص العمل لله وحده لا شريك له، وقوله (وجهه) أي دينه، وهذا الشرط الأول من شروط قبول العمل، وهو الإخلاص لله تعالى.
قال الطبري: بلى من أسلم لله بدنه، فخضع له بالطاعة جسده.
فإن قال قائل: هل هذا من التأويل لصفة الوجه؟
الجواب: لا، لأن الوجه يطلق ويراد به الوِجْهة والقصد.
فإن قيل: لم خص الوجه بالذكر؟
فالجواب: وإنما خص الوجه بالذكر لوجوه:
أحدها: لأنه أشرف الأعضاء من حيث أنه معدن الحواس والفكر والتخيل، فإذا تواضع الأشرف كان غيره أولى.
وثانيها: أن الوجه قد يكنى به عن النفس.
وثالثها: أن أعظم العبادات السجدة، وهي إنما تحصل بالوجه فلا جرم خصه بالذكر.
• وقال القرطبي: وخص الوجه بالذكر، لكونه أشرف ما يرى من الإنسان، ولأنه موضع الحواس، وفيه يظهر العز والذل، والعرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء ويصح أن يكون الوجه في هذه الآية المقصد.
• وقال البغوي: وخص الوجه بالذكر، لأنه إذا جاد بوجهه في السجود، لم يبخل بسائر جوارحه.
(وَهُوَ) مع إخلاصه.
(مُحْسِنٌ) أي اتبع فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو الشرط الثاني من شروط قبول العمل وهو متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإن العمل المتقبل لا يقبل إلا بشرطين:
أحدهما: أن يكون خالصاً لله وحده، لحديث (إنما الأعمال بالنيات) متفق عليه.
والآخر: أن يكون صواباً موافقاً للشريعة، لحديث (من عمل عملاً … ) متفق عليه.
فمتى كان خالصاً ولم يكن صواباً؛ لم يتقبل، ولهذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). رواه مسلم عن عائشة
وأما إن كان العمل موافقاً للشريعة في الصورة الظاهرة، ولكن لم يخلص عامله القصد لله، فهو أيضاً مردود على فاعله.
قال ابن كثير: فعمل الرهبان ومن شابههم - وإن فرض أنهم مخلصون فيه لله - فإنه لا يتقبل منهم، حتى يكون ذلك متابعًا للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، وفيهم وأمثالهم، قال الله تعالى (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا).